الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (124)

{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ } ، يقول : ما فرض الله تعالى بتعظيم السبت وتحريمه إلاّ على الذين اختلفوا فيه .

فقال بعضهم : هو أعظم الأيام ؛ لأن الله فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ثمّ سبت يوم السبت .

وقال آخرون : بل أعظم الله يوم الأحد ؛ لأنه اليوم الذي ابتدأ الله فيه خلق الأشياء ، واختاروا تعظيم غير مافرض الله عليهم تعظيمه ، وتركوا تعظيم يوم الجمعة الذي فرض عليهم تعظيمه واستحلوه .

قال الكلبي : أمرهم موسى بالجمعة فقال : تفرغوا لله عزّ وجلّ في كل سبعة أيام يوماً واحداً فاعبدوه في يوم الجمعة ولا تعملوا فيه لصناعتكم ، وستة أيام لصناعتكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نريد إلاّ اليوم الذي فرض الله من الخلق يوم السبت ، فجعل ذلك عليهم وشدد عليهم فيه .

ثمّ جاءهم عيسى بن مريم بالجمعة فقالوا : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا ، يعنون اليهود وإتخذوا [ يوم ] الأحد فقال الله : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ } .

قال قتادة : الذين اختلفوا فيه ، يعني : اليهود واستحله بعضهم وحرمه بعضهم .

روى همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بَيَد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم ، فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غداً والنصارى بعد غد " .

روى المسيب عن أبي سنان عن مكحول الشامي قال : " كان لعمر بن الخطاب على يهودي حق فلقيه عمر فقال : والذي أصطفى أبا القاسم على البشر لا تعمل لي وأنا أطلبك [ بشيء ] .

فقال اليهودي : ما اصطفى الله أبا القاسم على البشر ، فرفع عمر عليه السلام يده فلطم عينه ، فقال اليهودي : بيني وبينك أبو القاسم ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال اليهودي : إن عمر زَعم إن الله إصطفاك على البشر وإني زعمت أن الله لم يصطفك على البشر ، فرفع يده فلطمني ، فقال صلى الله عليه وسلم " أما أنت يا عمر فأرضه مِنْ لطمته . بلى يا يهودي ، آدم صفي الله ، وإبراهيم خليل الله ، وموسى نجي الله ، وعيسى روح الله ، وأنا حبيب الله . بلى يا يهودي ، إسمان من أسماء الله تعالى سمّى بهما أمتي ، سمّى نفسه السلام وسمّى أمتي المسلمين ، وسمّى نفسه المؤمن وسمّى أمتي المؤمنين . بلى يا يهودي ، طلبتم يوماً وذخر لنا ، يعني : يوم الجمعة ، فاليوم لنا عيد وغداً لكم وبعد غد للنصارى . بلى يا يهودي ، أنتم الأولون ونحن الآخرون السابقون يوم القيامة . بلى يا يهودي ، إن الجنة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا ، وإنها لمحرمة على الأمم حتّى يدخلها أمتي " .