قوله عز وجل : { لتبلون } اللام لام القسم تقديره والله لتبلون أي لتختبرن فتوقع عليكم المحن ليعلم المؤمن من غيره والاختبار طلب المعرفة ليعرف الجيد من الرديء وذلك في وصف الله محال لأن الله تعالى عالم بحقائق الأشياء كلها قبل أن يخلقها فعلى هذا يكون معنى الاختبار في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر { في أموالكم } يعني بالابتلاء في الأموال بالنقصان منها وقيل بأداء ما فرض فيها من الحقوق { وأنفسكم } يعني بالمصائب والأمراض والقتل وفقد الأقارب والعشائر خوطب بهذه الآية المسلمون ليوطنوا أنفسهم على احتمال الأذى وما سيلقون من الشدائد والمصائب ليصبروا على ذلك حتى إذ لقوها لقوها وهم مستعدون بالصبر لها لا يرهقهم ما يرهق غيرهم ممن تصيبه الشدة بغتة فينكرها ويشمئز منها { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً } قال عكرمة نزلت في أبي بكر الصديق وفنحاص بن عازوراء وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص سيد بني قينقاع يستمده وكتب إليه معه كتاباً وقال لأبي بكر : لا تفتأتن علي بشيء حتى ترجع فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف إلى فنحاص وأعطاه الكتاب فلما قرأه قال فنحاص قد احتاج ربك حتى نمده فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تفتأتن علي بشيء حتى ترجع فنزلت الآية وقال الزهري نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وكعب بن الأشرف اليهودي وذلك أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسب المسلمين ويحرض المشركين على قتالهم في شعره . ( ق ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فالأقل قال فأتاه فقال له وذكر ما بينهم وقال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وقد عنانا فلما سمعه قال وأيضاً والله لتملنه قال إنا قد ابتعناه ونكره الآن أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال : وقد أردت أن تسلفني سلفاً قال فما ترهنني أترهنني نساءكم ؟ قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال له ترهنون أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال : نعم . وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عيسى بن جبر وعباد بن بشر قال فجاؤا فدعوه ليلاً إليهم قالت امرأته إني لأسمع صوتاً كأنه صوت دم قال إنما هو محمد ورضيعي أبو نائلة أن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلاً لأجاب قال محمد : إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح فقالوا : نجد منك ريح الطيب قال : نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فتناول فشم ثم قال : أتأذن لي أن أعود فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم فقتلوه " . زاد في رواية ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه وزاد أصحاب السير والمغازي فاختلف عليهم أسيافهم فلم تغن شيئاً قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولاً في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا إلاّ وأوقدت عليه نار قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث ونزفه الدم فوقفنا له ساعة حتى أتانا يتبع آثارنا فحملناه وجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج علينا فأخبرناه بقتل كعب بن الأشرف وجئنا برأسه إليه وتفل على جرح صاحبنا فرجعنا إلى أهلنا وأصبحنا وقد خافت اليهود وقعتنا بعدو الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه وأنزل الله عز وجل في شأن الأشرف اليهودي { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني اليهود والنصارى { ومن الذين أشركوا } يعني مشركي العرب { أذى كثيراً } يعني بالأذى قول اليهود إن الله فقير ونحن أغنياء وما أشبه ذلك من افترائهم وكذبهم على الله ورسوله وما كان كعب بن الأشرف يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فهذا هو الأذى الكثير { وإن تصبروا وتتقوا } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين يعني وإن تصبروا على أذاهم وتتقوا فيما أمركم به ونهاكم عنه لأن الصبر عبارة عن احتمال الأذى والمكروه والتقوى عبارة عن الاحتراز عما لا ينبغي { فإن ذلك من عزم الأمور } أي من صواب التدبير الذي لا شك أن الرشد فيه ولا ينبغي لعاقل تركه وأصله من قولك عزمت عليك أن تفعل كذا أي ألزمتك أن تفعله لا محالة ولا تتركه وقيل معناه فإن ذلك مما قد عزم عليكم فعله أي ألزمتم الأخذ به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.