فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (186)

{ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } كأن المعنى والله لتختبرن في أموالكم ولتختبرن في أنفسكم ، ولقد قضى ربنا بحكمته أن يكون الاختبار قرين الاستخلاف{[1250]} ، { . . خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا . . . }{[1251]} { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين }{[1252]} ، . . { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون }{[1253]}- { في أموالكم } بالفرائض فيما والجوائح . . . والأولى القول بالعموم ، { و } في { أنفسكم } بالقتل والجراح والأسر والأمراض وفقد الأقارب وسائر ما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد ، وقدم الأموال على الأنفس للترقي إلى الأشرف . . - . {[1254]} { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } ؛ روى البخاري بسنده عن أسامة بن زيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية {[1255]} ، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد ابن عبادة ببني الحارث بن الخز رج قبل وقعة بدر حتى مر على مجلس به عبد الله بن أبي بن سلول ، وذلك قبل أن يسلم ابن أبي ، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين ، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف ، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه ، وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه سلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب ) ؟ يريد عبد الله بن أبي ( قال كذا وكذا ) فقال سعد : يا رسول اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة ، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك ، فذلك الذي فعل به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ والمولى العليم الخبير يهتك أستارهم ويبين أحقادهم ويقول { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره . . }{[1256]} ، وكذا حال أهل الشرك { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه . . }{[1257]} ، { أذى كثيرا } – كالطعن في الدين وتخطئة من آمن والافتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والتشبيب بنساء المؤمنين { وإن تصبروا } على تلك الشدائد عند ورودها { وتتقوا } أي تتمسكوا بتقوى الله تعالى وطاعته والتبتل إليه بالكلية إليه والإعراض عما سواه بالمرة بحيث يستوي عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه : { فإن ذلك } . . . الصبر والتقوى . . . { من عزم الأمور } أي الأمور التي ينبغي أن يعزمها كل واحد . . . أو مما عزمه الله تعالى وأوجبه على عباده-{[1258]} .


[1250]:في المأثور ما يفيد أن الامتحان يأتي على قدر رسوخ اليقين فإن عظم الأجر بقدر عظم المصيبة ومنه ما روى مرفوعا ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه وما يزال بالعبد حتى يمشي على وجه الأرض ما عليه خطيئة).
[1251]:سورة الملك من الآية 2.
[1252]:سورة البقرة الآية 155.
[1253]:سورة الأنبياء من الآية 35.
[1254]:من روح المعاني.
[1255]:نسبة على فدك بلدة بجوار المدينة.
[1256]:من سورة البقرة الآية 109.
[1257]:سورة سبأ من الآية 31.
[1258]:من روح المعاني.