التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (186)

قوله تعالى{ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وغن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور }

قال الشيخ الشنقيطي : ذكر في هذه الآية الكريمة ان المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم ، وسيسمعون الأذى الكثير من اهل الكتاب والمشركين ، وأنهم عن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله ، فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور ، أي : من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها . وقد بين في موضع آخر ان من جملة هذا البلاء : الخوف والجوع وان البلاء في النفس والأموال هو النقص فيها ، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله{ فإن ذلك من عزم الأمور }وذلك الموضع هو قوله تعالى : { ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا غنا لله وغنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .

قال البخاري : حدثنا ابو اليمان اخبرنا شعيب عن الزهري قال اخبرني عروة ابن الزبير ان أسامة بن زيد رضي الله عنهما اخبره : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية ، وأردف أسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، قال : حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول ، وذلك قبل ان يسلم عبد الله بن أبي ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين ، وفي المجلس عبد الله بن رواحه ، فلما غشيت المجلس عجاجه الدابة خمر عبد الله بن أبي انفه بردائه ثم قال : " لا تغبروا علينا ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل ، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : أيها المرء ، إنه لا أحسن مما تقول عن كان حقا فلا تؤذينا به في مجلسنا ، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه . فقال عبد الله بن رواحه : بلى يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك . فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا . ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا سعد الم تسمع ما قال أبو حباب-يريد عبد الله بن أبي-قال كذا وكذا . قال سعد بن عبادة : يا رسول الله أعف عنه واصفح عنه ، فوالذي أنزل عليك الكتاب ، لقد جاء الله بالحق الذي انزل عليك ولقد اصطلح اهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبون بالعصابة ، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك ، فذلك فعل به ما رأيت . فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ، ويصطبرون على الأذى ، قال الله عز وجل : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا }الآية . وقال الله : { ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم }إلى آخر الآية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو ما امره الله به ، حتى أذن الله فيهم ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا امر قد توجه ، فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فأسلموا " .

( الصحيح8/78-79 ح4566-ك التفسير- سورة آل عمران ، قوله تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب } ) . توجه : أقبل( القاموس مادة : و ج ه ) .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، ثنا عبد الرحمن بن صالح ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا : ثنا يوسف يعنيان ابن بكير ، ثنا ابن إسحاق ، فحدثني محمد ابن ابي محمد . عن عكرمة انه حدثه ، عن ابن عباس قال : نزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } .

وحسنه الحافظ ابن حجر( فتح الباري8/231 ) .