لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (21)

قوله تعالى : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } لما ذكر موسى قومه ما أنعم الله عليهم أمرهم بالخروج إلى جهاد عدوهم فقال : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة المباركة . قال الكلبي : صعد إبراهيم عليه السلام جبل لبنان فقيل له انظر فما أدرك بصرك فهو مقدس وهو ميراث لذريتك والأرض هي الطور وما حوله . وقيل : هي أريحاء وفلسطين وبعض الأردن . وقيل : هي دمشق . وقيل : هي الشام ، كلها . قال كعب الأحبار : ووجدت في كتاب الله المُنزل أن الشام كنز الله في أرضه وبها أكثر عباده التي كتب الله لكم يعني كتب الله في اللوح المحفوظ إنها لكم مساكن وقيل : فرض الله عليكم دخولها وأمركم بسكناها . وقيل : وهبها لكم .

فإن قلت : كيف ؟ قال الله تعالى : ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم . وقال فإنها محرمة عليهم وكيف الجمع بينهما ؟ قلت فيه وجوه أحدها أنها كانت هبة من الله ثم حرمها عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم .

الوجه الثاني : أن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الخصوص فصار كأنه مكتوب لبعضهم وحرام على بعضهم فإن يوشع بن نون وكالب بن يوفنا دخلاها وكانا ممن خوطب بهذا الخطاب .

الوجه الثالث : إن هذا الوعد كان مشروطاً بالطاعة فلما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط .

الوجه الرابع : أنه قال : إنها محرمة عليهم أربعين سنة فلما مضت الأربعون دخلوها وكانت مساكن لهم كما وعدهم الله تعالى : { ولا ترتدوا على أدباركم } يعني ولا ترجعوا القهقرى مرتدّين على أعقابكم إلى ورائكم ولكن امضوا لأمر الله الذي أمركم به وإن فعلتم خلاف ما أمركم الله به { فتنقلبوا خاسرين } يعني فترجعوا خائبين لأنكم رددتم أمر الله .