بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (21)

ثم قال عز وجل : { العالمين يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأْرْضَ المُقَدَّسَةَ } يعني المطهرة ، والمقدسة في اللغة هو المكان الذي يتطهر فيه ، فتأويله البيت الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب . ثم قال : { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي أمركم الله أن تدخلوها . ويقال : التي وعد لإبراهيم أن يكون ذلك له ولذريته ، وذلك أن الله وعد لإبراهيم أن يكون له مقدار ما يمد بصره فصار ذلك ميراثاً منه حين خرج إبراهيم عليه السلام فقال له جبريل : انظر يا إبراهيم . فنظر فقال : يعطي الله تعالى لك ولذريتك مقدار مد بصرك من الملك . وهي أرض فلسطين وأردن وما حولهما . فقال موسى لقومه : { ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي جعل لأبيكم إبراهيم عليه السلام ولكم ميراث منه

وقال القتبي : أصل الكتاب ما كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ ، ثم يتفرع منه المعاني . ويقال : كتب يعني قضى كما قال : { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مولانا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } [ التوبة : 51 ] ويقال : كتب أي فرض كما قال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام } أي فرض ويقال : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } أي جعل كما قال : { فاكتبنا مَعَ الشاهدين } ويقال : كتب أي أمر . كما قال : { ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني أمر الله لكم بدخولها . قال : ويقال كتب هاهنا بمعنى جعل . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم } يعني لا ترجعوا عما أمرتم به من الدخول { فَتَنقَلِبُواْ } أي فتصيروا { خاسرين } بفوات الدرجات ووجوب الدركات ، أي مغبونين في العقوبة ، فبعث موسى عليه السلام اثني عشر رجلاً من كل سبط رجلاً يأتيهم بخبر الجبارين ، فلما أتوهم لقيهم بعض أصحاب تلك المدينة جاؤوا وأخذوا أصحاب موسى ، فجعل كل رجل رجلين من أصحاب موسى عليه السلام في كمه ، حتى جاؤوا بهم إلى الملك .

ويقال : لقيهم رجل واحد اسمه «عوج » ، فاحتملهم في ثوبه وأتى بهم حتى ألقاهم بين يدي الملك ؛ فنظر إليهم وقال : هؤلاء يريدون أن يأخذوا مدينتنا . فأراد قتلهم فقالت امرأته : أيش تصنع بقتل هؤلاء الضعفاء ؟ ويكفيهم ما رأوا من أمر القوم وأمر هذه البلدة . فأنعِم عليهم ودعهم حتى يرجعوا ويذهبوا إلى موسى وقومه بالخبر ، فأرسلهم الملك وأعطاهم عنقوداً من العنب فحملوه على عمودين ، فرجعوا إلى موسى عليه السلام وقالوا فيما بينهم : لا تخبروا قوم موسى بهذا الخبر ، فإنهم يجبنون عن القتال ، والله تعالى قد وعد لموسى بأن يفتح عليهم هذه البلدة ، ولا تخبروا أحداً سوى موسى . فلما رجعوا أخبروا بخبرهم إلا اثنين منهم وهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا .