إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (21)

{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ } كرر النداء بالإضافة التشريفية اهتماماً بشأن الأمر ومبالغةً في حثهم على الامتثال به ، والأرض هي أرضُ بيت المقدس ، سُمِّيت بذلك لأنها كانت قرارَ الأنبياء ومسكنَ المؤمنين . وقيل : هي الطورُ وما حوله ، وقيل : دمشقُ وفِلَسطينُ وبعضُ الأردن ، وقيل : هي الشام { التِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } أي كتَبَ في اللوح المحفوظ أنها تكونُ مسكناً لكم إن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعد ما عصَوْا : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } [ المائدة ، الآية 26 ] وقولِه تعالى : { وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فَتَنْقَلِبُوا خاسرين } فإن ترتيبَ الخَيبة والخُسران على الارتداد يدل على اشتراط الكَتْب بالمجاهدة المترتِّبة على الإيمان والطاعة قطعاً ، أي لا ترجِعوا مُدبرين خوفاً من الجبابرة ، فالجار والمجرور متعلقٌ بمحذوفٍ هو حال من فاعل ترتدوا ، ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل ، قيل : لما سمعوا أحوالهم من النقباء بكَوْا وقالوا : يل ليتنا مِتْنا بمصر ، تعالَوْا نجعلُ لنا رأساً ينصرِفْ بنا إلى مصر ، أو لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى ، وقوله : ( فتنقلبوا ) إما مجزومٌ عطفا على ترتدوا ، أو منصوبٌ على جواب النهي ، والخُسران خُسرانُ الدين والدنيا لاسيما دخولُ ما كتب لهم .