وقرأ ابن{[11334]} مُحَيْصِن هنا وفي جميع القُرْآن " يَا قَوْمُ " مضموم الميم .
وتروى قراءة{[11335]} عن ابن كثيرٍ [ ووَجْهُهَا أنَّها ]{[11336]} لُغَةٌ في المُنَادى المضاف إلى يَاءِ المُتَكَلِّم كَقِرَاءة { [ قل ]{[11337]} رَبُّ احْكُم بِالحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] ، وقد تقدَّمَت هذه [ المسألة ]{[11338]} .
وقرأ ابن{[11339]} السمَيْفع : { يَا قَوْمِيَ ادْخُلُوا } بفتح الياء ، ورُوِيَ أنَّ إبراهيم - عليه السلام - لما صعد [ جَبَل لبنان ]{[11340]} ، فقال اللَّهُ تعالى له : " انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس ، وهو ميراث لذريتك " {[11341]} .
والأرضُ المقدَّسَةُ هي الأرْضُ المطهَّرَةُ من الآفات ؛ لأنَّ التَّقْدِيس هُو التَّطْهِيرُ ، وقال المُفَسِّرُون{[11342]} طهِّرَت من الشِّرك ، وجُعِلَت مَسْكَناً وقَرَاراً للأنْبِيَاء ، وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ تلك الأرْض لما أمَرهُمْ مُوسى بِدُخُولها ما كانَتْ مقدَّسة عن الشِّرْك ، وما كَانَتْ مَقرًّا للأنْبيَاء ، وقد يُجَابُ عَنْهُ بأنَّها كَانَتْ كذلك فيما قَبْل .
واختلفُوا في تلك الأرْض ، فقال عِكْرِمَةُ ، والسديُّ ، وابنُ زَيْد : هي أريحا{[11343]} .
وقال الكَلْبِيُّ : هي دمشق وفلسْطِين وبعض الأرْدُن{[11344]} ، وقال الضَّحَّاك : هي إيليَا وبَيْتُ المَقْدِسِ ، وقال مُجَاهِد : هي الطُّور وما حَوْلَه{[11345]} . وقال قتادةُ : هي الشَّامُ كُلُّها{[11346]} . وقال كَعْبٌ : وجَدْتُ في كتاب اللَّه المُنَزَّل [ أنَّ الشَّام ]{[11347]} كَنْزُ الله من أرْضِه ، وبِها كَثْرَةٌ من عِبَادِه .
وقوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني : في اللَّوْح المَحْفُوظِ أنَّها لكم مَسَاكِن .
وقال ابن إسحاق{[11348]} : وهب اللَّهُ لكم ، وقيل : جعلها لكم [ قال السديّ : أمَرَكُم الله بِدُخُولها ]{[11349]} .
فإن قيل : لم قال { كتبَ اللَّه لَكُم } ، ثم قال { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ }{[11350]} [ المائدة : 26 ] .
فالجوابُ : قال ابنُ عبَّاس : كانت هِبَةً ثُمَّ حرَّمها عليهم بشُؤم تَمَرُّدِهِم وعِصْيَانِهم{[11351]} ، وقيل : اللَّفْظ وإن كان عامًّا لكنَّ المرادُ به الخُصُوصُ ، فكَأَنَّها كُتِبَتْ لِبَعْضِهِم ، وَحُرِّمَتْ على بَعْضِهِم .
وقيل : إنَّ الوَعْد بقوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } مشروطٌ بقَيْد الطَّاعة ، فلما لم يُوجَد الشَّرْط لم يُوجَد المَشْرُوط .
وقيل : إنَّها مُحَرَّمةٌ عليهم أرْبَعِين سَنَة ، فلما مَضَى الأرْبَعُون حصل ما كتَبَ .
وفي قوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } فَائِدَة ، وهي{[11352]} أنَّ القوم وإن كانُوا جبَّارِين ، إلاَّ أنَّ الله تعالى لمَّا وعد هؤلاءِ الضُّعَفَاء بأنَّ تلك الأرْضَ لهم ، فإن كانوا مُؤمنين مُقَرَّبين بصدْق الأنْبِيَاء ، عَلِمُوا قَطْعاً أنَّ اللَّه يَنْصُرهم عليهم ، فلا بُدَّ وأن يَعْزِمُوا على قتالهم من غير خَوْفٍ ولا جُبْن .
قوله : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ } فالجار والمجرور [ حال من فاعل " تَرتَدوا " أي : لا ترتدوا مُنقلبين ، ويجُوزُ أن ]{[11353]} يتعلَّق بِنَفْسِ الفِعْل قَبْلَهُ .
وقوله : " فَتَنْقَلِبُوا " فيه وجهان :
أظهرُهُمَا : أنَّهُ مَجْزُومٌ عَطْفاً على فِعْل النَّهْي .
والثاني : أنَّهُ منصُوبٌ بإضْمَار " أنْ " بعد الفَاءِ في جواب النَّهي .
أحدهما : لا يَرْجِعُوا عن الدِّين الصَّحيح في نُبُوَّة مُوسَى ؛ لأنَّهُ - عليه السلام - لما أخْبَرَ اللَّه تعالى جعل تِلْكَ الأرْضَ لَهُم ، [ أو ]{[11354]} كان هذا وعْداً بأنَّ الله يَنْصُرهم{[11355]} عليهم ، فلو لَمْ يقْطعُوا بِهَذِه النُّصْرَة ، صارُوا شاكِّين في صِدْق مُوسى - عليه الصلاة والسلام - فيصيروا{[11356]} كافرين بالنُّبُوَّة والإلهِيَّة .
والثاني : لا ترجِعُوا عن الأرْضِ التي أمرتُم بِدُخُولِها إلى الأرْض الَّتِي خَرَجْتُم عنها ، يُرْوَى أنَّهُم عَزَمُوا على الرُّجُوعِ إلى مِصْر .
وقوله : " فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين " أي : في الآخِرَة يَفوتُكُم الثَّواب ويَلْحَقُكُم العِقَابُ .
وقيل : تَرْجِعُون إلى الذِّلَّة ، وقيل : تُمَزَّقُون{[11357]} في التِّيه ، ولا تَصِلُون{[11358]} إلى شَيْءٍ من مَطَالبِ الدُّنْيَا ومَنَافِع الآخِرَة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.