البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (21)

{ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله عليكم } المقدسة المطهرة ، وهي أريحا قاله : السدي وابن زيد ، ورواه عكرمة عن ابن عباس .

وقيل : موضع بيت المقدس .

وقيل : ايليا .

قال ابن قتيبة .

قرأت في مناجاة موسى قال : اللهم إنك اخترت فذكر أشياء ثم قال : رب ايليا بيت المقدس .

وقال ابن الجوزي : قرأت على أبي منصور اللغوي قال : ايليا بيت المقدس .

قال الفرزدق :

وبيتان بيت الله نحن نزوره *** وبيت بأعلى ايلياء مشرف

وقيل : الطور ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، واختاره الزجاج .

وقيل : فلسطين ودمشق وبعض الأردن .

قال قتادة : هي الشام .

وقال الكلبي : صعد إبراهيم عليه السلام جبل لبنان فقال له جبريل : انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس ، وهو ميراث لذريتك .

وقيل : ما بين الفرات وعريش مصر .

قال الطبري : لا يختلف أنها ما بين الفرات وعريش مصر قال : وقال الادفوي : أجمع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار أنها ما بين الفرات وعريش مصر .

وقال الطبري : تظاهرت الروايات أن دمشق هي قاعدة الجبارين انتهى .

والتقديس : التطهير قيل : من الآفات .

وقيل : من الشرك ، جعلت مسكناً وقراراً للأنبياء ، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة .

وقيل : المقدسة المباركة طهرت من القحط والجوع ، وغير ذلك قاله مجاهد .

وقيل : سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب ، ومنه قيل : للسطل قدس لأنه يتوضأ ويتطهر .

ومعنى كتبها الله لكم : قسمها ، وسماها ، أو خط في اللوح أنها لكم مسكن وقرار .

وقال ابن إسحاق : وهبها لكم .

وقال السدي : أمركم بدخولها ، وفي ذلك تنشيط لهم وتقوية إذا أخبرهم بأنّ الله كتبها لهم .

والظاهر استعمال كتب في الفرض كقوله : { كتب عليكم الصيام } و { كتب عليكم القتال } وأما إن كان كتبها بمعنى خط في الأزل ، وقضى ، فلا يحتاج ظاهر هذا اللفظ ظاهر قوله : محرمة عليهم .

فقيل : اللفظ عام .

والمراد الخصوص كأنه قال : مكتوبة لبعضهم وحرام على بعضهم ، أو ذلك مشروط بقيد امتثال القتال ، فلم يمتثلوا ، فلم يقع المشروط أو التحريم ، مقيد بأربعين سنة فلما انقضت جعل ما كتب .

وأما إن كان كتبها لهم بمعنى أمركم بدخولها ، فلا يعارض التحريم .

حرم عليهم دخولها وماتوا في التيه ، ودخل مع موسى أبناؤهم الذين لم تحرم عليهم .

وقيل : إن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التيه ، وإنما خرج أبناؤهم مع حزقيل .

وقال ابن عباس : كانت هبة ، ثم حرمها عليهم بعصيانهم .

{ ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين } أي لا تنكصوا على أعقابكم من خوف الجبابرة جبناً وهلعاً .

وقيل : حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : ليتنا متنا بمصر ، وقالوا : تعالوا نجعل علينا رأساً ينصرف بنا إلى مصر .

ويحتمل أن يراد : لا ترتدوا على أدباركم ، في دينكم لمخالفتكم أمر ربكم وانقلابهم خاسرين ، إن كان الارتداد حقيقياً وهو الرجوع إلى المكان الذي خرج منه فمعناه : يصيرون إلى الذل بعد العز والخلاص من أيدي القبط .

وإن كان الارتداد مجازاً وهو ارتدادهم عن دينهم فمعناه : يخسرون خير الدنيا وثواب الآخرة .

وحقيق بالخسران مَن خالف ما فرضه الله عليه من الجهاد وخالف أمره .