لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (19)

قوله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل } قال ابن عباس : قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود : يا معشر اليهود اتقوا الله فولله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته ، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا : ما قلنا ذلك لكم وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده فأنزل الله هذه الآية يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يبين لكم يعني أحكام الدين والشرائع على فترة من الرسل قال ابن عباس : يعني على انقطاع من الرسل . واختلف العلماء في قدر مدة الفترة فروي عن سلمان قال : فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة أخرجه البخاري . وقال قتادة : كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وما شاء الله من ذلك وعنه أنها خمسمائة سنة وستون سنة . وقال ابن السائب : خمسمائة وأربعون سنة . وقال الضحاك : إنها أربعمائة وبضع وثلاثون سنة . ونقل ابن الجوزي عن ابن عباس : على فترة من الرسل قال : على انقطاع منهم . قال : وكان بين ميلاد عيسى وميلاد محمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسعة وستون سنة وهي الفترة وكان بين عيسى ومحمد أربعة من الرسل فذلك قوله { إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث } قال : والرابع لا أدري من هو فكانت تلك السنون مائة وأربعاً وثلاثين سنة نبوة وسائرها فترة . قال أبو سليمان الدمشقي : والرابع والله أعلم خالد بن سنان الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نبيٌّ ضيعَه قومه " .

قال الإمام فخر الدين الرازي : والفائدة في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عند فترة الرسل ، هي أن التحريف والتغيير كان قد تطرف إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها وسبب ذلك اختلاط الحق بالباطل والكذب بالصدق فصار ذلك عذراً ظاهراً في إعراض الخلق عن العبادات لأن لهم أن يقولوا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك ولكنا ما عرفنا كيف نعبدك فبعث الله في هذا الوقت محمداً صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا العذر فذلك قوله عز وجل : { أن تقولوا ما جاءنا من بشير ونذير } يعني لئلا تقولوا وقيل معناه كراهية أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير في هذا الوقت { فقد جاءكم بشير ونذير } يعني فقد أرسلت إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا العذر { والله على كل شيء قدير } يعني أنه قادر على بعثة الرسل في وقت الحاجة إليهم .