لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

قوله تعالى : { ألم يروا } الخطاب لكفار مكة يعني ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } يعني مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم الماضية والقرون الخالية . والقرن الأمة من الناس وأهل كل زمان قرن سموا بذلك لاقترانهم في الوجود في ذلك الزمان وقيل سمي قرناً لأنه زمان بزمان وأمة بأمة واختلفوا في مقدار القرن ، فقيل : ثمانون سنة . وقيل : ستون سنة . وقيل : أربعون سنة . وقيل : مائة وعشرون ، وقيل : مائة سنة . وهو الأصح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني : " إنك تعيش قرناً " فعاش مائة سنة . فعلى هذا القول : المراد بالقرن أهله الذين وجدوا فيه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " يعني أصحابي وتابعيهم وتابعي التابعين { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } يعني أعطيناهم ما لم نعطكم يا أهل مكة وقيل أمددناهم في العمر والبسطة في الأجسام والسعة في الأرزاق مثل إعطاء قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { وأرسلنا السماء عليهم مدراراً } مفعال من الدر يعني وأرسلنا المطر متتابعاً في أوقات الحاجة إليه والمراد بالسماء المطر سمي بذلك لنزوله منها { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } يعني : وفجرنا لهم العيون تجري من تحتهم والمراد منه كثرة البساتين { فأهلكناهم بذنوبهم } يعني بسبب ذنوبهم وكفرهم { وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين } يعني وخلفنا من بعد هلاك أولئك أهل قرن آخرين وفي هذه الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع أهلكناهم لما كفروا وطغوا وظلموا فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عدداً وعدداً وهذا يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة .