الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

مكن له في الأرض : جعل له مكاناً له فيها . ونحوه : أرّض له . ومنه قوله : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض } [ الكهف : 84 ] { أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ } [ القصص : 57 ] وأمّا مكنته في الأرض فأثبته فيها . ومنه قوله : { وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ } [ الأحقاف : 26 ] ولتقارب المعنيين جمع بينهما في قوله : { مكناهم فِى الارض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ } والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم ، من البسطة في الأجسام ، والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا . والسماء المظلة ؛ لأن الماء ينزل منها إلى السحاب ، أو السحاب أو المطر . والمدرار : المغزار .

فإن قلت : أي فائدة في ذكر إنشاء قرن آخرين بعدهم ؟ قلت : الدلالة على أنه لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم ؟ فإنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده ، كقوله تعالى : { وَلاَ يَخَافُ عقباها } [ الشمس : 15 ] .