تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

الآية 6 وقوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } وقال أبو بكر الكيساني : { ألم يروا } قد رأوا أنا { أهلكنا من قبلهم من قرن } وهو واحد ؛ قد رأوا آثار الذين أهلكوا بتكذيبهم الرسل وتعنتهم ومكابرتهم . لكنهم لم يعتبروا بذلك .

وقوله تعالى : { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } قال بعضهم : أعطيناهم من الخير والسعة والأموال ما لم نمكن لكم يا أهل مكة ، أي لم نعطكم ، ثم إذا كذبوا الرسل أهلكهم الله تعالى ، وعاقبهم بأنواع العقوبة . ويحتمل { مكناهم في الأرض } من القوة والشدة كقوله تعالى : { وقالوا من أشد منا قوة } [ فصلت : 15 ] ثم مع شدة قوتهم أهلكوا إذ{[6915]} كذبوا الرسل ويحتمل وجها آخر { مكناهم في الأرض } أي في قلوب الناس من نفاذ القول وخضوع الخلق لأنهم كانوا /144-ألوكا وسلاطين الأرض من نحو نمرود وفرعون وعاد مع ما كانوا كذلك أهلكوا إذ{[6916]} كذبوا الرسل . وأنتم يا هؤلاء ليس لكم شيء من ذلك أفلا تهلكون إذا كذبتم الرسل ؟

وإنما حملهم على تكذيب الرسل ، والله أعلم ، لما كانوا ذوي{[6917]} سعة وقوة ، فرأوا{[6918]} الخضوع لمن دونهم في ذلك جورا{[6919]} غير حكمة ، وإنما أخذوا ذلك من إبليس اللعين حين{[6920]} قال عند أمره بالسجود لآدم : { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [ الأعراف : 12 و ص : 76 ] . فعلى ذلك هؤلاء الكفرة رأوا الأمر بالخضوع لمحمد صلى الله عليه وسلم جورا{[6921]} منه حتى قالوا : { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ]

وقوله تعالى : { وأرسلنا السماء عليهم مدرارا } قال القتبي : مدرارا بالمطر أي غزيرا من درّ يدرّ . وقال أبو عوسجة : أي درّت عليهم السماء بالمطر أي كثر ، ودام ، وتتابع واحدا بعد واحد في وقت الحاجة { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } أخبر عن سعة أولئك [ وما ]{[6922]} أنعم عليهم من كثرة الأمطار والأنهار ما لم يكن ذلك لهؤلاء . ثم مع ما كان أعطاهم إذ كذبوا الرسل .

فإن قيل : ذكر إهلاك هؤلاء وخوف أولئك ؛ ذلك بتكذيبهم الرسل ، وقد أهلك الرسل والأولياء من قبل ، قيل : لأن إهلاك أولئك إهلاك عقوبة وتعذيب لأنه كان أهلكهم إهلاك{[6923]} استئصال واستيعاب خارجا من الطبع . لذلك كان ما ذكرنا .


[6915]:- في الأصل و م: إذا.
[6916]:- في الأصل وم: إذا.
[6917]:- في الأصل وم: ذا.
[6918]:- في الأصل وم: فلم يروا.
[6919]:- في أ في الأصل: جوازا.
[6920]:- في الأصل وم: حيث.
[6921]:- من م، في الأصل: جوازا.
[6922]:- في الأصل وم: و
[6923]:- في الأصل وم: هلاك.