السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

{ ألم يروا } أي : في أسفارهم إلى الشام وغيرها { كم } خبرية بمعنى كثيراً { أهلكنا من قبلهم من قرن } أي : أمّة من الأمم الماضية ، وعلى هذا القرن الجماعة من الناس وجمعه قرون ، وقيل : القرن مدّة من الزمان قيل : إنها عشرة أعوام ، وقيل : عشرون ، وقيل : ثلاثون ، وقيل : أربعون ، وقيل : خمسون ، وقيل : ستون ، وقيل : سبعون ، وقيل : ثمانون ، وقيل : تسعون ، وقيل : مائة .

لما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني : «تعيش قرناً » فعاش مائة سنة وقيل : مائة وعشرون فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن { مكناهم في الأرض } أي : جعلنا لهم فيها مكاناً بالقوّة والسعة وقررناهم فيها { ما لم نمكن لكم } أي : ما لم نجعل لكم من السعة والقوّة فيه التفات عن الغيبة ، والمعنى : لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثموداً وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا { وأرسلنا السماء } هي المطر { عليهم مدراراً } أي : متتابعاً { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } أي : تحت مساكنهم { فأهلكناهم بذنوبهم } أي : بسبب ذنوبهم بتكذيبهم الأنبياء فلم يغن ذلك عنهم شيئاً { وأنشأنا } أي : أحدثنا { من بعدهم قرناً آخرين } بدلاً منهم .

فإن قيل : ما فائدة ذكر أنشأنا قرناً آخرين بعدهم ؟ أجيب : بأنه ذكر للدلالة على أنه تعالى لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم فإنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده فهو قادر على أن يفعل ذلك بكم .