الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } يعني الأمم الماضية والقرن الجماعة من الناس وجمعه قرون ، وقيل : القرن مدة من الزمان ، يقال ثمانون سنة ، ويقال : مائة سنة ، ويكون معناه على هذا القول من أهل قرن { مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } يعني أعطيناهم ما لم نعطكم .

قال ابن عباس : أمهلناهم في العمر والأجسام والأولاد مثل قوم نوح وعاد وثمود ، ويقال : مكنته ومكنت له فجاء [ . . . . . . ] جميعاً { وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ } يعني المطر { عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } .

تقول العرب : مازلنا نطأ السماء حتى آتيناكم مدراراً أي غزيرة كثيرة دائمة ، وهي مفعال من الدر ، مفعال من أسماء المبالغة ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث .

قال الشاعر :

وسقاك من نوء الثريا مزنة *** سعراً تحلب وابلاً مدراراً

وقوله : { مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } من خطاب التنوين كقوله تعالى :

{ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [ يونس : 22 ] .

وقال أهل البصرة : أخبر عنهم بقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ } وفيهم محمد وأصحابه ثم خاطبهم ، والعرب تقول : قلت لعبد اللّه ما أكرمه وقلت لعبد اللّه أكرمك { وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا } وخلقنا وابتدأنا { مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ *