قوله سبحانه وتعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون } ذكر جماعة من المفسرين المتأخرين كالبغوي والواحدي وابن الجوزي أنهم من أعراب مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم وكانت منازلهم حول المدينة ، ويعني ومن هؤلاء الأعراب منافقون وما ذكروه مشكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهؤلاء القبائل ومدحهم فإن صح نقل المفسرين فيحمل قوله سبحانه وتعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون } على القليل لأن لفظة من للتبعيض ويحمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم على الأكثر والأغلب ، وبهذا يمكن الجمع بين قول المفسرين ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم . وأما الطبري ، فإنه أطلق القول ولم يعين أحداً من القبائل المذكورة بل قال في تفسير هذه الآية : من القوم الذين حول مدينتكم أيها المؤمنون من الأعراب منافقون ومن أهل مدينتكم أيضاً أمثالهم أقوام منافقون . وقال البغوي : { ومن أهل المدينة } من الأوس والخزرج منافقون { مردوا على النفاق } فيه تقديم وتأخير تقديره وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق يعني مرنوا عليه ، يقال تمرد فلان على ربه إذا عتا وتجبر ومنه الشيطان المارد وتمرد في معصيته أي مرن وثبت عليها واعتادها ولم يتب منها ، قال ابن إسحاق : لجوا فيه وأبو غيره . وقال ابن زيد : أقاموا عليه ولم يتوبوا منه { لا تعلمهم } يعني أنهم بلغوا في النفاق إلى حيث أنك لا تعلمهم يا محمد مع صفاء خاطرك واطلاعك على الأسرار { نحن نعلمهم } يعني لكن نحن نعلمهم لأنه لا تخفى علينا خافية وإن دقت { سنعذبهم مرتين } اختلف المفسرون في العذاب الأول مع اتفاقهم على العذب الثاني هو عذاب القبر بدليل قوله { ثم يردون إلى عذاب عظيم } وهو عذاب النار في الآخرة فثبت بهذا أنه سبحانه وتعالى يعذب المنافقين ثلاث مرات مرة في الدنيا ومرة في القبر ومرة في الآخرة أما المرة الأولى وهي التي اختلفوا فيها فقال الكلبي والسدي «قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في يوم جمعة فقال اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرج من المسجد أناساً وفضحهم » فهذا هو العذاب الأول .
والثاني : هو عذاب القبر فإن صح هذا القول فيحتمل أن يكون بعد أن أعلمه الله حالهم وسماهم له لأن الله سبحانه وتعالى قال لا تعلمهم نحن نعلمهم ثم بعد ذلك أعمله بهم . وقال مجاهد : هذا العذاب الأول هو القتل والسبي وهذا القول ضعيف ، لأن أحكام الإسلام في الظاهر كانت جارية على المنافقين فلم يقتلوا ولم يسبوا وعن مجاهد رواية أخرى أنهم عذبوا بالجوع مرتين . وقال قتادة : المرة الأولى هي الدبيلة في الدنيا وقد جاء تفسيرها في الحديث بأنها خراج من نار تظهر في أكتافهم حتى تنجم من صدورهم يعني تخرج من صدورهم . وقال ابن زيد : الأولى هي المصائب في الأموال والأولاد في الدنيا والأخرى عذاب القبر . وقال ابن عباس : الأولى إقامة الحدود عليهم في الدنيا والأخرى عذاب القبر . وقال ابن إسحاق : الأولى هي ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه كرهاً غير حسبة والأخرى عذاب القبر . وقيل : إحداهما ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم ، والأخرى عذاب القبر . وقيل : الأولى إحراق مسجدهم مسجد الضرار ، والأخرى إحراقهم بنار جهنم وهو قوله سبحانه وتعالى : ثم يردون إلى عذاب جهنم يخلدون فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.