الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ} (101)

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ } نزلت في مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار وكانت منازلهم حول المدينة { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } فيه اختصار وإضمار تقديره ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق ، أي مرّنوا وتربّوا عليه يُقال : تمرّد فلان على ربّه ومرد على معصيته أي مرن وثبت عليها واعتادها ومنه : تمريد ومارد وفي المثل : تمرّد مارد وعزّ الإباق ، وقال ابن إسحاق : لجّوا فيه وأبوا غيره ، وقال ابن زيد وابان بن تغلب : أقاموا عليه ولم يتوبوا كما تاب الآخرون ، وأنشد الشاعر :

مرد القوم على حيهم *** أهل بغي وضلال وأشر

{ لاَ تَعْلَمُهُمْ } أنت يا محمد { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } قال قتادة في هذه الآية : ما بال أقوام يتكلّفون على الناس يقولون فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري أخبرني أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه الأنبياء قبلك قال نبي الله نوح ( عليه السلام ) :

{ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الشعراء : 112 ] وقال نبي الله شعيب ( عليه السلام ) :

{ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [ هود : 86 ] وقال الله لنبيه عليه السلام : { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } واختلفوا في هذين العذابين وروي عن أبي مالك عن ابن عباس قال : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال : أخرج يا فلان فإنك منافق . اخرج يا فلان فإنك منافق " .

فأخرج من المسجد ناساً وفضحهم " فهذا العذاب الأول ، والثاني عذاب القبر .

وقال مجاهد : بالجوع وعذاب القبر ، وعنه أيضاً : بالجوع والقتل وعنه بالجوع مرّتين ، وعنه : بالخوف والقتل .

وقال قتادة : عذاب الدنيا وعذاب القبر ، وفيه قصة الأثني عشر في حديث حذيفة .

وقال ابن زيد : المرّة الأولى المصائب في الأموال والأولاد ، والمرة الأخرى في جهنم .

وقال ابن عباس : إن المرة الأولى إقامة الحدود عليهم والثاني عذاب القبر .

قال الحسن : إحدى المرتين أخذ الزكاة من أموالهم والأخرى عذاب القبر ، فيقول تفسيره في سورة النحل { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } .

وقال ابن إسحاق : هو ما يدخل عليهم في الإسلام ، ودخولهم من غير حسبة ثمّ عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ثمّ العذاب العظيم في الآخرة والخلد فيه .

وفي بعض التفاسير : الاولى ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم والأخرى عذاب القبر .

وقيل : تفسيره في سورة النحل

{ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ } [ النحل : 88 ] .

وقال مقاتل بن حيان : الأول بالسيف يوم بدر والثاني عند الموت .

معمر عن الزهري عن الحسن قال : عذاب النبي وعذاب الله . يعني بعذاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :

{ مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] . قال عطاء : الأمراض في الدنيا والآخرة فإن من مرض من المؤمنين كفّر الله سيّئاته ومحض ذنوبه فأبدله لحماً من لحمه ودماً كثيراً من دمه وأعقبه ثواباً عظيماً ، ومن مرض من المنافقين زاده الله نفاقاً وإثماً وضعفاً كما قال في هذه السورة : { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ } يريد أنهم يمرضون في كل عام مرة أو مرتين فيردّون إلى عذاب عظيم شديد فظيع .

وقال الربيع : بلايا الدنيا وعذاب الآخرة ثم يردون الى عذاب عظيم عذاب جهنم .

وقال إسماعيل بن زياد : أحد العذابين ضرب الملائكة والوجوه والأدبار ، والثاني عند البعث يوكل بهم عتق من النار .

وقال الضحاك : مرّة في القبر ومرّة في النار ، وقيل : المرّة الاولى بإحراق مسجدهم مسجد ضرار والثانية بإحراقهم بنار جهنم ، وقيل : مرّة بإنفاق أموالهم ومرّة بقتلهم بالسيف إن أظهروا مافي قلوبهم .