بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ} (101)

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ الأعراب منافقون } يعني : الأعراب الذين حوالي المدينة . { وَمِنْ أَهْلِ المدينة } ، وهو عبد الله بن أُبي وأصحابه { مَرَدُواْ عَلَى النفاق } ، يعني : مرنوا وثبتوا على النفاق ، فلا يرجعون عنه ولا يتوبون . { لاَ تَعْلَمُهُمْ } ، يقول لا تعرفهم أنت لسبب إيمانهم بالعلانية . { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } ، لأني عالم السر والعلانية ونعلم نفاقهم ونعرفك حالهم .

{ سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } قال مقاتل : أحد العذابين عند الموت ضرب الملائكة الوجوه والأدبار ، والعذاب الثاني عذاب القبر ، وهو ضرب منكر ونكير . وقال الكلبي : أوَل العذابين أنه أخرجهم من المسجد ، والعذاب الثاني عذاب القبر .

وروى أسباط بن النضر الهمداني ، عن إسماعيل بن عبد الملك السدي قال : عن أبي مالك ، عن ابن عباس أنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة ، فقال : « يَا فُلانُ اخْرُجْ فَإنَّكَ مُنَافِقٌ » . ثم قال : « يَا فُلانُ اخْرُجْ إنَّكَ مُنَافِقٌ » . ثم قال : « يَا فُلانُ اخْرُجْ فَإنَّكَ مُنَافِقٌ » . فأخرجهم بأسمائهم ، وكان عمر لم يشهد الجمعة لحاجة كانت له ، فلقيهم وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظن أن الناس قد انصرفوا ، واختبؤوا من عمر وظنوا أنه قد علم بأمرهم ، فدخل عمر المسجد فإذا الناس لم يصلوا ، فقال له رجل من المسلمين : أبشر يا عمر ، قد فضح الله المنافقين ، وهذا هو العذاب الأول ، والعذاب الثاني عذاب القبر . وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } ، قال : الجوع والقتل ، ويقال القتل والسبي ، وقال الحسن : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } ، يعني : عذاب جهنم أعظم مما كان في الدنيا .