الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ} (101)

وقوله سبحانه : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأعراب منافقون وَمِنْ أَهْلِ المدينة مَرَدُوا عَلَى النفاق } الإِشارة ب«مَنْ حولكم » إِلى جُهَيْنة ، ومُزَيْنة ، وأَسْلَم ، وغِفَار ، وعُصَيَّة ، ولِحيان ، وغيرهم مِنَ القبائل المجاورة للمدينة ، فأخبر اللَّه سبحانه عن منافقيهم ، وتقدير الآية : ومن أهْل المدينة قومٌ أو منافقُون ، هذا أحسنُ ما حُمِلَ اللفظ ، و{ مَرَدُوا } : قال أبو عُبَيْدة معناه : مَرَنُوا عَلَيْه ، ولَجُّوا فيه ، وقيل غير هذا ممَّا هو قريبٌ منه .

وقال ابن زَيْد : قاموا عليه ، لَمْ يَتُوبوا ؛ كما تاب الآخَرُون ، والظاهر مِنَ اللفظة أنَّ التمرُّد في الشيء أو المُرُود عليه إِنما هو اللَّجَاج والاشتهار به ، والعتوُّ على الزاجر ، ورُكُوبُ الرأسِ في ذلك ، وهو مستعملٌ في الشر لا في الخَيْر ؛ ومنه : شَيْطَانٌ مَرِيدٌ وَمَارِدٌ ، وقال ابن العربيِّ في «أحكامه » : { المدينة مَرَدُوا عَلَى النفاق } أي : استمروا عليه ، وتحقَّقوا به ، انتهى . ذكَره بعد قوله تعالى : { الذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } [ التوبة : 107 ] .

ثم نفى عزَّ وجلَّ عِلْمَ نبيِّه لهم على التعْيين .

وقوله سبحانه : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } . لفظ الآية يقتضي ثَلاَثَ مواطِنَ مِنَ العَذَابِ ، ولا خلافَ بين المتأوِّلين أن العذاب العظيم الذي يُرَدُّون إِليه هو عذابُ الآخرةِ ، وأكثرُ النَّاس أن العذاب المتوسِّط هو عذاب القبْر ، واختُلِفَ في عذاب المَرَّة الأولَى : فقال ابنُ عبَّاس : عذابهم بإِقامة حدود الشَّرْع عليهم ، مع كراهيتهم فيه .

وقال ابن إسحاق : عذابُهم : هو هَمُّهم بظهورِ الإِسْلاَمِ ، وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِ . وقال ابْنُ عباسٍ أيضاً وهو الأشهر عنه : عذابُهم هو فَضِيحَتُهُمْ وَوَصْمُهُمْ بالنِّفَاقِ . وقيل غيْرُ هَذَا .

وقَوْلُهُ عزَّ وجلَّ :