تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ} (101)

وقوله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ) أخبر أن من حولهم ( مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ) أيضا ( مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ) فقال بعضهم : المرد في الشيء هو النهاية في الشر . وقال بعضهم : ( مردوا على النفاق ) أي ثبثوا عليه ، وقاموا[ من م ، في الأصل : وداموا ] وقال بعضهم : ( مردوا ) أي عتوا ( على النفاق ) وبالغوا فيه .

أخبر أنهم لشدة مكرهم وخداعهم وعتوهم ( لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) لأن من المنافقين من كان يعرفهم الرسول في لحن القول ، ومنهم من كان يعرفهم في ضلاله كقوله : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى )[ النساء : 142 ] ، ومنهم من كان يعرف نفاقه في تخلفه عن رسول الله ؛ يعني عن الغزو . فأخبر عز وجل أن هؤلاء لشدة عتوهم ومكرهم وفضل خداعهم لا تعرف نفاقهم ، نحن نعرف نفاقهم .

ثم أخبر أنه يعذبهم مرتين ؛ قال بعضهم : القتل والسبي ، وعن الحسن [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : عذاب في الدنيا وعذاب في القبر ، وقال بعضهم : يعذبهم بالجوع مرتين . وقال أبو بكر الأصم : قوله ( سيعذبهم مرتين ) القتل والسبي قبل الموت ، و العذاب الآخر يعذبون في القبر ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) .

ويشبه أن يكون تعذيبه إياهم مرتين [ حين أمروا بالإنفاق ][ في الأصل وم : حيث أخذوا بالانفاق ] على المؤمنين ، وبينهم وبين المؤمنين عداوة ، وأمروا أيضا بالقتال مع الكفار ، وهم أولياؤهم . هذا أحد العذابين لأنهم أمروا بالإنفاق على أعدائهم ، وأمروا أيضا أن يقاتلوا أولياءهم . والعذاب الثاني : القتل في القتال .

فإن قيل : لم يذكر أن منافقا قتل قبل : لم يذكر لعلة أنهم كانوا لا يعرفونهم لقوله : ( لا تعلمهم ) إذا لم يعرفوا [ فكيف يقتلون ][ في الأصل وم : فيقتلون ] كما يُقتَل غيرهم من المؤمنين ؟ والله أعلم .