الرحمة : الصحة وسعة العيش وكل ما يسرّ الإنسان .
والضرّاء : ضد الرحمة مثل المرض وضيق العيش ونحوهما .
هذا لي : هذا ما أَستحقه لما لي من الفضل والعمل .
وإذا أنعم الله عليه بالخير والرحمة بعد الضّراء واليأس يقول : { هذا لِي وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } .
كل هذا من الغرور والضلال . ولكن الله تعالى يبين لهم أن تمرُّدهم هذا وبطرهم لا ينفعهم إذ يقول : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } وهو عذاب جهنم خالدين فيها أبدا .
ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ } أي : الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير ، وإن مسه الشر فيئوس قنوط { رَحْمَةً مِنَّا } أي : بعد ذلك الشر الذي أصابه ، بأن عافاه الله من مرضه ، أو أغناه من فقره ، فإنه لا يشكر الله تعالى ، بل يبغى ، ويطغى ، ويقول : { هَذَا لِي } أي : أتاني لأني له أهل ، وأنا مستحق له { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } وهذا إنكار منه للبعث ، وكفر للنعمة والرحمة ، التي أذاقها الله له . { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } أي : على تقدير إتيان الساعة ، وأني سأرجع إلى ربي ، إن لي عنده ، للحسنى ، فكما حصلت لي النعمة في الدنيا ، فإنها ستحصل ]لي[ في الآخرة وهذا من أعظم الجراءة والقول على الله بلا علم ، فلهذا توعده بقوله : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي : شديد جدًا .
ولما دل ذلك على عظيم جهله وغلبة أفكاره الرديئة على عقله ، أتبعه تأكيداً لذلك ما يدل على أن حاله بعد هذا اليأس الذي قطع فيه بلزوم الشر وامتناع حصول الخير أنه لو عاودته النعمة بغتة من وجه لا يرجوه ، وليس له دليل على ما دوامها وانصرامها لعاد إلى البطر والكبر والأشر ، ونسي ما كان فيه من الشدة ، فقال مسنداً إلى نفسه الخير بعد أن ذكر الشر ، ولم يسنده إليه تعليماً للأدب معبراً بمظهر العظمة تنبيهاً على أن ذلك من جليل التدبير { ولئن أذقناه } أي الإنسان الذي غلبت عليه حالة الأنس بنفسه حتى أسفلته عن أبناء جنسه إلى رتبة الحيوانات العجم بل دونها .
ولما أخبر آخر الآية السالفة عن حاله عند الشر ، قدم هنا ضده على صلته اهتماماً به بخلاف ما في سورة هود عليه السلام فقال : { رحمة منا } أي نعمة عظيمة دلت على إكرامه من جهة لا يرجوها ، وهو من فائدة التعبير بأداة الشك ، ودل بإثبات الجار على انفصالها عن الضر مع قرب زمانها منه ليكون قد جمع مباشرة الأحوال الثلاث : الانتقام والإكرام وما بينهما من الوسط الذي بين حالتي الرضا والسخط ، ثم شرع بيان ذلك فقال : { من بعد ضراء } أي محنة وشدة عظيمة { مسته } فطال بروكها عليه ؛ وأجاب القسم لتقدمه على الشرط بقوله : { ليقولن } بمجرد ذوق تلك الرحمة على أنها ربما كانت بلاء عظيماً لكونها استدراجاً إلى الهلاك : { هذا } أي الأمر العظيم { لي } أي مختص بي لما لي من الفضل ، لا مشاركة لأحد معي فيه مع أنه ثابت لا يتغير انتقالاً من حالة اليأس إلى حالة الأمن والبطر والكبر والأشر على قرب الزمن من ذوق المحن وينسى أنها من فضل الله ليقيدها بشكرها ، ويطردها بكفرها { وما أظن الساعة } أي القيامة التي هي لعظمها المستحقة أن تختص باسم الساعة { قائمة } أي ثابتاً قيامها ، فقطع الرجاء منها سواء عبر عن ذلك بلسان قاله أو بلسان حاله ، لكونه يفعل أفعال الشاك فيها كما كان قطع الرجاء من الخير عند مباشرته للشر لكنه هنا قال على سبيل التقدير : والفرض ، لدفع من يعظه محققاً لدوام نعمته : { ولئن رجعت } أي على سبيل الفرض بقسر قاسر ما { إلى ربي } أي الذي أحسن إليّ بهذا الخير الذي أنا فيه { إن لي عنده } وأكده على من يعظه بأنه يعذب إن لم يحسن قلبه وقالبه { للحسنى } أي الحالة والرتبة البالغة في الحسن حداً لا يوصف لأني أهل لذلك ، والدليل على تأهلي له ما أنا فيه الآن من الخير ، ونسي ما يشاهده غالباً من أن كثيراً من النعم يكون للاستدراج ، ومن أن كثيراً من الناس يكون في غاية النعمة فيصبح وقد أحاطت به كل نقمة ، فهو بين أمنيتين في الدنيا بقوله هذا ، وفي الآخرة يقول : يا ليتني كنت تراباً ، فلا يزال في المحال - نعوذ بالله من سوء الحال .
ولما كان هذا هو الكفر الصراح لنسيان نعمة المنعم وجعله الإنعام من الواجب اللازم وشكه فيما أخبر سبحانه على ألسنة جميع الرسل أنه محط حكمته ، سبب عنه سبحانه قوله ، مؤكداً في نظير تأكيد هذا الناسي : { فلننبئن } أي تنبئة عظيمة بخير الوصف فيها مستقصاة على سبيل العدل ، وجعل الضمير الوصف تصريحاً بالعموم وبياناً للعلة الموجبة فقال : { الذين كفروا } أي ستروا ما دلت عليه العقول ، وأوجبته صرائح النقول ، من إقامة الساعة لإظهار جلاله وجماله ، ومن أنه تعالى يحل بالإنسان السراء والضراء ليخافه ويرجوه ويشكره ويدعو { بما عملوا } لا ندع منه قليلاً ولا كثيراً صغيراً ولا كبيراً ، فليرون عياناً ضد ما ظنوه في الدنيا من أن لهم الحسنى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً }[ الفرقان : 23 ] { ولنذيقنهم } بعد إقامة الحجة عليهم بموازين القسط الوافية لمثاقيل الذر { من عذاب غليظ * } لا يدع جهة من أجسامهم ولا قواهم إلا أحاط بها ولا تقوى على دفعه قواهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.