اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (50)

ثم بين تعالى أن الذين صار آيساً قانطاً لو عاودَتْهُ النعمة والدَّولة{[48967]} وهو قوله : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ } فِإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد عن الله{[48968]} .

فالأول : قوله { لَيَقُولَنَّ هذا لِي } وهو جواب القسم لسبقه الشرط ، وجواب الشرط محذوف كما تقدم تقريره{[48969]} .

وقال أبو البقاء : ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة{[48970]} . قال شهاب الدين ( رحمه الله{[48971]} ) وهو لا يجوز إلا في شعر كقوله :

4367 مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا *** . . . . . . . . . . . . . . . {[48972]}

حتى إنَّ المبرد يمنعه في الشعر ، ويروى البيت :

4368 مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ فَالرَّحْمنُ يَشْكُرُهُ{[48973]} *** . . .

فصل

معنى قوله : «هذَا لي » أي هذا حقي وصل إِليَّ ؛ لأني استوجبته بعلمي وعملي ، ولا يعلم المِسْكيِنُ أن أحداً لا يستحق على الله شيئاً ، لأنه إن كان عارياً من الفضائل ، فكلامه ظاهر الفساد ، وإن كان موصوفاً بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله تعالى وإحسانه ، فيثبتُ بهذا فساد قوله : إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي .

النوع الثاني من كلامه الفاسد : قوله : { وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً } ، والمعنى أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النُّفرة عن الآخرة فإذا آل الأمرُ إلى أحوال الدنيا يقول : إنها لي ، وإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وَمَا أظُنُّّ السَّاعَةَ قَائِمَة .

النوع الثالث : من كلامه الفساد : قوله : { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } أي أن هذا الكافر يقول : لست على يقين من البعث وإن كان الأمر على ذلك ورُدِدْتُ إلى ربي إن لي عنده الحسنى أي الجنة ، كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة . ولما حكى الله عنهم هذه الأقوال الثلاثة الفاسدة قال{[48974]} : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } قال ابن عباس{[48975]} رضي الله عنهما : لنوقفنّهم على مساوئ أعمالهم { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } وهذا في مقابلة قوله : { إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } .


[48967]:الدولة ـ بضم الدال أو فتحها على خلاف في ذلك ـ العقبى في المآل وانظر اللسان دول 1455.
[48968]:وانظر في هذا كله الفخر الرازي 27/137.
[48969]:ذكره السمين في الدر 4/740 وانظر التبيان 1129.
[48970]:السابق.
[48971]:زيادة من أ.
[48972]:صدر بيت من البسيط عجزه: ............................... والشر بالشر عند الله مثلان وهو لعبد الرحمن بن حسان. واستشهد بت على حذف الفاء من قوله: "الله يشكرها" والأصل فالله يشكرها، ولم يرتض المبرد هذا. وقد تقدم.
[48973]:قال المبرد في المقتضب: فلا اختلاف بين النحويين أنه على إرادة الفاء؛ لأن التقديم فيه لا يصلح وانظر نوادر أبي زيد 207، 208.
[48974]:الرازي 27/137 و138.
[48975]:البغوي والخازن 6/115.