فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (50)

{ وَلَئِنْ } لام قسم { أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ } أي ولئن آتيناه خيرا وعافية وغنى من بعد شدة ومرض وفقر { لَيَقُولَنَّ } جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف لسد جواب القسم مسده { هَذَا لِي } أي هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي ، فظن أن تلك النعمة التي صار فيها وصلت إليه باستحقاقه لها ، ولم يعلم أن الله يبتلي عباده بالخير والشر ليتبين له الشاكر من الجاحد ، والصابر من الجزع .

قال مجاهد : معناه هذا بعملي وأنا محقوق به ، أو هذا لي دائما لا يزول { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } أي ما أظنها تقوم كما يخبرنا بها الأنبياء أو لست على يقين من البعث ، وهذا خاص بالكافرين والمنافقين ، فيكون المراد بالإنسان المذكور في صدر الآية الجنس باعتبار غالب أفراده ، لأن اليأس من رحمة الله والقنوط من خيره والشك في البعث لا يكون إلا من الكافرين أو المتزلزلين في الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين للكفر .

{ وَلَئِنْ } لام قسم { رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي } على تقدير صدق ما يخبرنا به الأنبياء من قيام الساعة وحصول البعث والنشور { إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } جواب القسم لسبقه الشرط ، أي للحالة الحسنى من النعمة والكرامة ، فظن أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير واستحق خير الآخرة بذلك الذي اعتقده في نفسه ، وأثبته لها ، وهو اعتقاد باطل ، وظن فاسد ، وقد تضمن الكلام مبالغات حيث أكد بالقسم ، وإن ، وتقديم الظرفين ، والعدول إلى صيغة التفضيل إذ الحسنى تأنيث الأحسن .

{ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا } أي لنخبرهم به يوم القيامة وهذا جواب لقول الكافر ولئن رجعت إلى آخره ، أي ليس الأمر كما يزعم وإنما له العقاب الشديد كما قال { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } بسبب ذنوبهم ، واللام هذه والتي قبلها هي الموطئة للقسم .