صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

{ لتجدن أشد الناس . . }أي لتجدن أشد الكفار عداوة للمؤمنين اليهود ، لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم ، و انهماكهم في اتباع أهوائهم وتمرنهم على التمرد ، والاستعصاء على الأنبياء ، وتمكن الحسد والبغي في قلوبهم ، إلى حد استيجاب إيصال الأذى والشر إلى من خالفهم في الدين ، وقد جعلهم الله قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين ، بل هم أعرق فيها ولذا قدموا في الذكر عليهم ، { ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى }فهم ألين عريكة وأساس انقياد إلى الحق ، وفيهم من هو معرض عن الدنيا و لذاتها والتنافس فيها ، ومن كان شأنه ذلك لا يحسد الناس ولا يعاديهم .

والآية نزلت في النجاشي وأصحابه . وقيل : في الوفد الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب مسلمين . وقيل : في جماعة من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام ، فلما بعث محمد صلى الله عليه و سلم آمنوا به وصدقوه ، فأثنى الله تعالى عليهم في هذه الآية . { ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون }عن إتباع الحق والانقياد له إذا فهموه . أو أنهم يتواضعون ولا يتكبرون

كاليهود . و{ قسيسين }أي علماء ، جمع قسيس صيغة مبالغة : من تقسس الشيء إذا تتبعه بالليل . سموا بذلك في الأصل لتتبعهم العلم بكثرة{ ورهبانا }أي عبادا ، جمع راهب ، من الرهبة وهي المخافة . ومنه الترهب وهو التعبد . والرهبانية وهي الغلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة .