الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

قوله : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً )( {[17442]} ) الآية [ ( {[17443]} )84-86 ] .

قوله : ( قِسِّيسِينَ ) هو جمع ( قسّيس )( {[17444]} ) مسلماً ، ( و )( {[17445]} ) تكسيره على ( قساوسة ) ، أُبدل من إحدى السينات( {[17446]} ) واواً( {[17447]} ) . ويقال : ( قَسٌّ ) في معناه ، وجمعه ( قُسُوس )( {[17448]} ) ، ويقال للنميمة( {[17449]} ) ( قَسَّ )( {[17450]} ) .

ورهبان( {[17451]} ) جمعه( {[17452]} ) رهابنة( {[17453]} ) ورهابين( {[17454]} ) .

والمعنى : لتجدن –يا مُحَمَّد- أشد الناس عداوة للذين اتبعوك ، فآمنوا( {[17455]} ) بك ( اليَهُودُ وَالذِينَ أَشْرَكُوا ) ، وهم عبدة الأوثان ، ولتجدن أقربهم مودة لمن آمن بك ، النصارى( {[17456]} ) .

( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) عن الحق( {[17457]} ) .

وهذه الآية والتي بعدها نزلت في نفر من نصارى( {[17458]} ) الحبشة لما سمعوا القرآن أسلموا( {[17459]} ) . " وقيل : إنها نزلت( {[17460]} ) في النجاشي ملك الحبشة وَأصْحَابٍ( {[17461]} ) له أسلموا " ( {[17462]} ) .

قال سعيد بن جبير : بعث النجاشي وفداً( {[17463]} ) إلى النبي ، فقرأ عليهم القرآن فأسلموا ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، فرجعوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم( {[17464]} ) .

قال ابن عباس : بعث النبي –وهو بمكة ، حين خاف على أصحابه من المشركين- نفراً إلى النجاشي ، منهم : ابن مسعود وجعفر بن أبي طالب( {[17465]} ) ، فبلغ ذلك المشركين ، فبعثوا عمرو( {[17466]} ) بن العاصي( {[17467]} ) في رهط إلى النجاشي يحذرونه من محمد ، فسبق أصحاب المشركين ، فقالوا للنجاشي : خرج فينا رجل سفه( {[17468]} ) عقول قريش وأحلامها( {[17469]} ) وقد بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك بخبرهم ، قال : إن جاءوني نظرت فيما يقولون ( لي )( {[17470]} ) ، فقدم أصحاب النبي ، فأتوا باب النجاشي ، وقالوا( {[17471]} ) : استأذِنوا لأَولياء الله ، فقال : ائذن( {[17472]} ) لهم ، فمرحباً( {[17473]} ) بأولياء الله . فلما دخلوا عليه ، سلموا ، فقال له الرهط من المشركين : ألا ترى –أيها الملك- لم يحيوك( {[17474]} ) بتحيتك( {[17475]} ) ! فقال لهم : ما منعكم أن تحيوني( {[17476]} ) بتحيتي( {[17477]} ) . فقالوا له : إِنّا حَيَّيْنَاكَ بتحيةِ أهل الجنة وتحية الملائكة . فقال ( لهم )( {[17478]} ) : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه ؟ [ قالوا ]( {[17479]} ) : هو عبد الله وكلمة من الله وروح منه ، ألقاها إلى مريم( {[17480]} ) ، ويقول في مريم : إنها العذراء( {[17481]} ) البتول( {[17482]} ) . قال : فأخذ عوداً من الأرض ( وقال )( {[17483]} ) : " ما زاد عيسى وأمَّه على ما قال صاحبكم قدرَ هذا العود " ، فكره المشركون قوله وتغيرت وجوههم . قال لهم النجاشي : هل تعرضون( {[17484]} ) شيئاً مما أنزل عليكم ؟ قالوا : نعم ، قال : اقرأوا ، فقرأوا ، وهناك قسيسون( {[17485]} ) ورهبان( {[17486]} ) ونصارى ، فعرفت كل ما قرأوا ، وانحدرت( {[17487]} ) دموعهم مما عرفوا من الحق ، فأنزل الله الآية( {[17488]} ) .

وقال الكلبي : كانوا أربعين رجلاً : اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام ، فأسلموا( {[17489]} ) حين هاجر إليهم المؤمنون وسمعوا القرآن فعرفوا الحق وانقادوا إليه( {[17490]} ) ، وكانت اليهود أشد عداوة( {[17491]} ) لمن آمنوا برسول الله يومئذٍ بالمدينة ، وكذلك كانت قريش لمن آمن بمكة( {[17492]} ) .

وقيل : إن الذي قرأ على النجاشي هو جعفر بن أبي طالب قرأ عليه أول سورة مريم .

وقال السدي : بعث النجاشي اثني( {[17493]} ) عشر من الحبشة : سبعة " قسيسون( {[17494]} ) وخمسة " رهبان( {[17495]} ) ، ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه ، فلما لقوه قرأ عليهم ما أنزل الله ، فبكوا وآمنوا ، /

وأنزل الله فيهم : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [ مِمَّاعَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ]( {[17496]} ) ) ، فرجعوا( {[17497]} ) إلى النجاشي فآمن وهاجر بمن معه ، فمات في الطريق ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستغفروا له( {[17498]} ) .

وروى ابن شهاب( {[17499]} ) عن أم سلمة( {[17500]} ) –زوج النبي عليه السلام ، وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع من هاجر من مكة من المسلمين حين آذاهم المشركون –فقالت : لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار- النجاشي- ، أمِنَّا( {[17501]} ) على ديننا ، وعَبَدْنا الله عز وجل ، لا نُؤذَى ولا نَسمَع شيئاً نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشاً ، ائتمروا( {[17502]} ) بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين( {[17503]} ) جَلْدَيْنِ( {[17504]} ) ، وأن يهدوا له هدايا( {[17505]} ) مما يستظرف( {[17506]} ) من متاع مكة ، فجمعوا له هدايا( {[17507]} ) ولم يتركوا بطريقاً( {[17508]} ) من بطارقته إلا أهدوا إليه هدية ، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة( {[17509]} ) وعمرو( {[17510]} ) بن العاصي ، وقالوا لهما : ادفعا( {[17511]} ) إلى كل بطريق ( منهم )( {[17512]} ) هديته قبل أن تُكَلِّما( {[17513]} ) النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه( {[17514]} ) ، ثم سَلاَهُ أن يُسَلِّمَهُم إليكما قبل أن يكلمهم .

قالت أم سلمة : فخرجا حتى قدما على النجاشي –ونحن عنده بخير دار عند خير جار- فلم يبق من بطارقته بِطْريق( {[17515]} ) إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق( {[17516]} ) : " إنه قد صبأ( {[17517]} ) إلى بلاد الملك مِنّا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مُبْتَدَع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومنا لنردهم( {[17518]} ) إليهم ، فإذا كلمنا( {[17519]} ) الملك فيهم ، فأَشِيروا( {[17520]} ) على أن يُسَلِّمَهم إلينا ولا يكلّمهم( {[17521]} ) ، فإن قومهم أعلم( {[17522]} ) بما عابوا( {[17523]} ) عليهم فقالوا لهما : نعم ، ثم إنهما قربا هدية( {[17524]} ) النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلّماه فقالا : أيها الملك ، إنه قد صبأ إليك منا غلمان سفهاء( {[17525]} ) فارقوا( {[17526]} ) دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، ابتدعوا ديناً لا نعرفه نحن ولا أَنْتَ ، وقد بَعَثَنا إليك فيهم أشرافُ قومنا من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم( {[17527]} ) إليهم( {[17528]} ) ، فهم أعلى( {[17529]} ) بهم عيناً ، وأعلم بما( {[17530]} ) عابوا( {[17531]} ) عليهم . فقالت البطارقة من حوله : صدقاً –أيها الملك- ، فأَسْلِمْهُم إليهما . قالت( {[17532]} ) : فغضب النجاشي ( وقال )( {[17533]} ) : لاها الله اذن( {[17534]} ) ، وَلاَ أُسْلِمُهُم( {[17535]} ) ، ( ولا يكاد قومٌ جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني من سواي )( {[17536]} ) حتى أدعوهم [ فأسألهم ]( {[17537]} ) عما يقول هذان( {[17538]} ) في أمرهم ، فإن( {[17539]} ) كانوا كما [ يقولان ]( {[17540]} ) ، أسلَمتهم إليهما ورددتُهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غَير ذلك ، منعتهم ( منهم )( {[17541]} ) ، وأحسنت جوارهم ما [ جاوروني ]( {[17542]} ) .

قالت أم سلمة : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله( {[17543]} ) وعمرو( {[17544]} ) بن العاصي من أن يسمع النجاشي كلام المؤمنين ، فدعا النجاشي المؤمنين ، فلما جاءهم رسول النجاشي ، اجتمعوا ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون اذا( {[17545]} ) جئتموه ؟ ( {[17546]} ) قالوا : نقول –والله- ما علّمنا نبيُّنا( {[17547]} ) وما أمرنا كائناً في ذلك ما كان . فلما جاءوا –وقد دعا النجاشي أساقِفَته فنشروا مصاحبهم( {[17548]} ) حوله( {[17549]} )- سألهم( {[17550]} ) فقال : ما هذا الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا ( به )( {[17551]} ) في ديني( {[17552]} ) ، ولا ( في )( {[17553]} ) دين أحد من [ هذه ]( {[17554]} ) الملل( {[17555]} ) ؟ ، ( و )( {[17556]} ) قالت أم سلمة : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال له : أيها الملك كنَّا قوماً ، -أهلَ جاهلية- نعبد( {[17557]} ) الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش( {[17558]} ) ونقطع الأرحام ، نُسيء الجِوار ، ويأكل القويُّ ( الضعيفَ ، فكنا على ذلك )( {[17559]} ) حتى ( بعث )( {[17560]} ) الله إلينا رسولاً منّا ، نعرف نسبَه( {[17561]} ) وصِدْقَه وأَمانَتَه وعافيته( {[17562]} ) ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده( {[17563]} ) ، ونَخْلَعُ ما كنّا( {[17564]} ) نعبد( {[17565]} ) نحن وآباؤنان الحجارة( {[17566]} ) والأوثان ، وأمَرنا بِصِدْق الحديث وردِّ الأمانة وصِلَة الرحم وحُسنُ الجِوار والكفّ عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقولِ( {[17567]} ) الزور وأكل ( مال )( {[17568]} ) اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمَرَنا أن نعبدَ الله ولا نشرك به شيئاً ، وأمَرنَا بالصلاة والزكاة وبالصيام . –قالت أم سلمة : فَعَدَّدَ عليه أمور الإسلام- فصدّقنا وآمنّا به ، واتّبعناهُ على ما جاءنا( {[17569]} ) به من عند الله ، وحرَّمنا ما حرَّم علينا ، وأَحْلَلنا( {[17570]} ) ما أحلَّ لنا ، فَعَدا علينا قومنا فعذَّبونا وفَتنونا( {[17571]} ) عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، وأن نستحلَّ ما كُنَّا نستحلُّ من الخبائث( {[17572]} ) فلما قَهَرونا( {[17573]} ) ( وظَلَمونا )( {[17574]} ) وضَيّقوا( {[17575]} ) علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا( {[17576]} ) إلى بلادك( {[17577]} ) ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا ( أن لا )( {[17578]} ) نظلم عندك أيها الملك .

قالت أم سلمة : فقال النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله ( من )( {[17579]} ) شيء ؟ ، قال( {[17580]} ) له جعفر : نعم ، قال : فَاقْرَأْهُ عليَّ . قالت : فقرأ( {[17581]} ) عليه صدراً من ( كَهيعَصَ )( {[17582]} ) ، فبكى( {[17583]} ) النجاشي ( وبكى أساقفته حِينَ سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي )( {[17584]} ) : إن هذا والذي جاء به عيسى لَيَخرُج من مِشْكاة واحدة ، انطلقا( {[17585]} ) ، فوالله لا أسْلِمْهم إليكما أبداً ، ثم قال لجعفر ( وأصحابه ) ( {[17586]} ) : اذهبوا فأنتم شُيُومٌ( {[17587]} ) بأرضي –والشُّيُومُ في لسانهم : الآمنون( {[17588]} )- ، من سبَّكُم [ غَرِم ]( {[17589]} ) ، من سبّكم [ غَرِم ]( {[17590]} ) ، قالها( {[17591]} ) ثلاثاً( {[17592]} ) ، ثم قال : رُدُّوا عليهما هداياهما( {[17593]} ) ، فلا حاجة لي بها ، ( فوالله )( {[17594]} ) ما أخذ [ الله ]( {[17595]} ) ( الرشوة مني )( {[17596]} ) حين رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فآخُذُ( {[17597]} ) الرشوة ( فيه )( {[17598]} ) ، وما أطاع( {[17599]} ) الله الناس( {[17600]} ) فيَّ فأطيعهم فيه . قالت أم سلمة : فخرجا( {[17601]} ) من عنده مقبوحين( {[17602]} ) .

ففي النجاشي وأصحابه نزل ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ [ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ ]( {[17603]} ) ) الآيات( {[17604]} ) .

قالت عائشة رضي الله عنها في قول النجاشي : " ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخُذُ الرشوَة فيه ، وما أطاع الله الناس فيّ( {[17605]} ) فأطيع الناس فيه " ، قالت : إن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد غيره ، وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا( {[17606]} ) عشر ولداً ، فقالت الحبشة بينهم( {[17607]} ) : لو قتلنا أبا النجاشي ، وملَّكْنا أخاه ، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه من صلبه [ اثني ]( {[17608]} ) عَشَرَ ولداً ، فيتوارثوا الملك من بعده وتبقى الحبشة بعده دهراً( {[17609]} ) . فَغَدوا( {[17610]} ) على أبي النجاشي فقتلوه ، وملّكوا أخاه ، فمكثوا على ذلك حينا( {[17611]} ) . ونشأ النجاشي مع عمه( {[17612]} ) ، وكان لبيباً حازماً من الرجال ، فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ( {[17613]} ) عَمِّه ( ونزل )( {[17614]} ) منه بكل منزلة( {[17615]} ) ، فلما رأت الحبشة مكَانَه من عمِّه قالت بينهم( {[17616]} ) : والله لقد غَلَب هذا الفتى على أمر عمّه ، وإنا لنتخوف أن يُمَلِّكه علينا ، وَإِنْ مَلَّكَه ( علينا )( {[17617]} ) ليقتلنا( {[17618]} ) أجمعين ، لقد عَرَفَ أَنَّا نحْن قتلنا أباه . فَمَشَوا إلى عمه فقالوا( {[17619]} ) : إمّا أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تُخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خِفْنا( {[17620]} ) على أنفسنا . فقال : ويلكم ، قَتلتُم أباهُ بالأمس وأقتُلهُ اليومَ ؟ ، بل أُخرجُه من بلادكم ، فخرجوا به إلى السوق فباعوه [ من رجل ]( {[17621]} ) من التجّار بست مائة درهم ، فقذفه في سفينة( {[17622]} ) وانطلق به حتى [ إذا ]( {[17623]} ) [ العشيّ ]( {[17624]} ) من ذلك اليوم ، هاجت( {[17625]} ) سحابة( {[17626]} ) من سحائب الخريف( {[17627]} ) فخرج عمّه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة ، فقتلته ففزعت الحبشة إلى ولده( {[17628]} ) فإذا هم حمق ، ليس في واحد منهم خير ، فمرج( {[17629]} ) على الحبشة أمرُها ، فلما ضاق عليهم أمرهم ، قال بعضهم لبعض ، تَعْلَموا –والله- أن مَلِككم –الذي لا يقيم أمركم غيرُه- الذي( {[17630]} ) بعتم ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه .

قالت : / فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه ، فأخذوه منه وجاءوا به ، وعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، فملَّكوه أنفسهم ، فجاءهم التاجر الذين كانوا باعوه منه ، فقال : إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه( {[17631]} ) في ذلك ؟ فقالوا : لا نعطيك شيئاً . قال : إذن( {[17632]} ) والله أكلمه( {[17633]} ) . قالوا( {[17634]} ) : فدونك( {[17635]} ) .

قالت( {[17636]} ) : فجاءه التاجر ، فجلس بين يديه ، فقال : أيها الملك ، ابتعتُ غلاماً من قوم بالسوق بست مائة درهم فأسلموا إليّ غلامي ( وأخذوا دراهمي( {[17637]} ) حتى إذا سِرْت ، خرجت بغلامي ، أدركوني فأخذوا غلامي مني ومنعوني دراهمي( {[17638]} ) . فقال( {[17639]} ) لهم النجاشي : لتُعْطُنَّه( {[17640]} ) دراهمه ، أو ليضعن( {[17641]} ) غلامه )( {[17642]} ) يده في يده ، فليذهبن به حيث شاء . قالوا : [ بل ]( {[17643]} ) نعطيه دراهمه .

قالت : فلذلك قال : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيع( {[17644]} ) الناس فيه . قالت : وكان ذلك أول ما خبر من صلابته( {[17645]} ) في دينه ، وعدله في حكمه( {[17646]} ) .

وقالت عائشة رضي الله عنها : لما مات النجاشي ، كان يُتَحَدَّثُ( {[17647]} ) أنه لا يزال( {[17648]} ) نور يرى على قبره( {[17649]} ) .

وقال ابن جبير : هم سبعون رجلاً وجَّهَ بهم النجاشي ، وكانوا ذوي فقه وسنن( {[17650]} ) ، فقرأ عليهم النبي ( يَسِ( {[17651]} ) ) ، فبكوا ، وقالوا : ( رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) وفيهم نزل : ( الذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ( {[17652]} ) مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ مُومِنُونَ ) إلى قوله ( يُوتَوْنَ( {[17653]} ) أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ )( {[17654]} ) إلى آخر الآية( {[17655]} ) .

وقال قتادة : هم ناس كانوا على الحق من شريعة عيسى ، ثم آمنوا بالنبي عليه السلام( {[17656]} ) .

والرهبان يكون واحداً وجمعاً ، وإذا كان( {[17657]} ) جمعاً فواحده : " راهب " ، وإذا كان واحداً( {[17658]} ) فهو كقربان ، وجمعه : رهابين ، مثل قرابين( {[17659]} ) .


[17442]:- ج د: عداوة للذين آمنوا.
[17443]:- ساقطة من ب.
[17444]:- انظر: تفسير الطبري 10/502.
[17445]:- ساقطة من د.
[17446]:- ب: السنات بدون نقطة النون. د: السنات. وفي إعراب النحاس 1/515: السينين.
[17447]:- ب ج: واو.
[17448]:- انظر: تفسير الطبري 10/502.
[17449]:- مطموسة في أ. ب: للمقيمة.
[17450]:- انظر: إعراب النحاس 1/515.
[17451]:- ج: رهباناً.
[17452]:- ج: جمع.
[17453]:- ج د: رهبانية.
[17454]:- عليها علامة تضبيب في "أ". ب: رهانين. ج د: رهبانين. ويجمع "الرهبان" إذا كان واحداً، وانظر: حيث يكون جمعاً في تفسير الطبري 10/502 وجمع "رهبان" على ما ذكره عزاه النحاس في إعرابه 1/515 إلى الفراء.
[17455]:- ب ج د: وآمنوا.
[17456]:- انظر: تفسير الطبري 10/498.
[17457]:- انظر: المصدر السابق.
[17458]:- ج د: نجارى.
[17459]:- انظر: تفسير الطبري 10/499.
[17460]:- ج: قزية.
[17461]:- ب: أصحابه.
[17462]:- انظر: تفسير الطبري 10/499.
[17463]:- ب: وفد. وفي موضعها بياض في ج د.
[17464]:- انظر: تفسير الطبري 10/499.
[17465]:- ومنهم أيضاً: عثمان بن مظعُون في تفسير الطبري 10/500. وجعفر هو جعفر بن أبي طالب الهاشمي، ابن عم رسول الله، استشهد في غزوة مؤتة سنة 8هـ. انظر: الإصابة 1/237، والتقريب 1/131، والأعلام 2/125.
[17466]:- د: عمر.
[17467]:- في تفسير الطبري 10/500: العاص. وهو أبو عبد الله عمرو بن العاص –دون ياء- بن وائل القرشي السهمي، أمير مصر، توفي سنة 42هـ. انظر: الإصابة 4/650، والأعلام 5/79.
[17468]:- ج: شفّه.
[17469]:- في تفسير الطبري 10/500 زيادة: زعم أنه نبي.
[17470]:- ساقطة من ب ج د، ومن تفسير الطبري أيضاً 10/500.
[17471]:- ج د: فقالوا.
[17472]:- د: اذن.
[17473]:- د: فرحبا.
[17474]:- ب: يحبوك.
[17475]:- ب ج د: بتحيتنا.
[17476]:- ب: تحبوني.
[17477]:- في موضعها بياض في ب.
[17478]:- ساقطة من ب.
[17479]:- أ: قال. وفي تفسير الطبري 10/500 كما في "أ".
[17480]:- ب: برم.
[17481]:- ب: العدر.
[17482]:- ج د: المبتول.
[17483]:- ب ج د: فقال.
[17484]:- ب ج د: تعرفون.
[17485]:- ج د: قسيسين.
[17486]:- د: رهبانا.
[17487]:- ج: انحذرت. د: نحذرت.
[17488]:- انظر: تفسير الطبري 10/499 و500.
[17489]:- ب ج د: اسلموا.
[17490]:- ب ج د: له.
[17491]:- ب د: الناس عداوة.
[17492]:- انظر: قول ابن جريج باختلاف حول عددهم وتحديد ما قرأه عليهم رسول الله في تفسير الطبري 10/505.
[17493]:- د: اثنا.
[17494]:- ج: قسيسين. وفي تفسير الطبري 10/501 كما في ج.
[17495]:- د: رهنان.
[17496]:- ساقطة من ب ج د.
[17497]:- ب ج د: الآية فرجعوا.
[17498]:- انظر: تفسير الطبري 10/500 و501 و506.
[17499]:- ب ج د: هشام. في هامش "د": "قصت النجاشي".
[17500]:- هي أم سلمة بنت سهيل المخزومية، زوج رسول الله، روت عدة أحاديث عنها الأسود وابن المسيب والشعبي، توفيت سنة 16هـ. انظر: طبقات ابن سعد 8/68، والتذكرة 3/97، وسير الأعلام 2/201.
[17501]:- مطموسة ومخرومة في أ.
[17502]:- مطموسة في أ.
[17503]:- ب: رجل من. وفي سيرة ابن هشام: 1/358: رجلين منهم.
[17504]:- ب ج د: جالدين.
[17505]:- د: هديا.
[17506]:- ب: يستطوف بدون نقطة الفاء. ج د: ستظرف.
[17507]:- د: هديا.
[17508]:- البطريق: جمعه بطارقة، لغة أهل الشام والروم، مُعرَّب، وهو الحاذق بالحرب وأمورها. ويقال هو عربي وافَقَ العجمي، وهي لغة أهل الحجاز. انظر: اللسان: بطرق.
[17509]:- هو أبو عبد الله، عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عياش. انظر: طبقات ابن خياط 21، والجمهرة 230.
[17510]:- د: عمر.
[17511]:- ب: ادفعوا.
[17512]:- ساقطة من ب ج د. ومن سيرة ابن هشام 1/358.
[17513]:- ب د: تكلم.
[17514]:- ب: هدياه.
[17515]:- ج: بتطربق.
[17516]:- ب ج د: بطريق منهم.
[17517]:- في سيرة ابن هشام 1/358: "ضوى"، وفي اللسان: ضوا "ضوى إليه ضيّاً: انضم ولجأ". هذا و"صبا إلى الشيء يصبو: إذا مال... وقيل: هو مهموز من صبأ: إذا خرج من دين إلى دين" انظر: اللسان: صبا وصبأ.
[17518]:- ب ج د: ليردهم. وفي سيرة ابن هشام 1/358 كما في ب ج د.
[17519]:- مطموسة في أ.
[17520]:- ب: فأيشروا.
[17521]:- د: يكلبهم.
[17522]:- ب ج د: غابوا.
[17523]:- في سيرة ابن هشام 1/358: فإن قومهم أعلى بهمم عيناً وأعلم.
[17524]:- ب ج: هدايا. د: هديا.
[17525]:- ب: سقها.
[17526]:- ب: فاوقوا.
[17527]:- في سيرة ابن هشام 1/358: لتردهم.
[17528]:- ب ج د: عليهم.
[17529]:- ج د: أعلم.
[17530]:- ب: بها.
[17531]:- ب ج د: غابوا.
[17532]:- ب: ولا يكاد قوم قالت.
[17533]:- ج د: فقال.
[17534]:- ب: ا ن د ن. وفي سيرة ابن هشام 1/359: إذا. وقال سيبويه في كتابه 3/503: "ومثل "أيْمُ الله" و"أيمن": "لا ها الله ذا"، إذا حذفوا ما هذا مبنيّ عليه. فهذه الأشياء فيها معنى القسم". وفي نيل الأوطار 8/92 و93 الاختلاف حول معنى "لاها الله"، وحول النطق بها وإعراب لفظة الجلالة منها. وكذا حول كتابة "إذاً": حيث أنها تكتب بالألف والتنوين على قول من قال: هي اسم. والجمهور القائلون بأنها حرف منقسمون: إلى ذاهبين إلى أنها بسيطة فتكتب بالألف وهو الراجح، وإلى الذاهبين إلى أنها مركبة من "إذ" و"أن" فتكتب بالنون. وبالألف "وقع رسم المصاحف". وهي أيضاً مما "اختُلف في معناها".
[17535]:- ب: أسلمهم إليهما.
[17536]:- مستدركة في هامش "أ" ومخرومة. ساقطة من ج د.
[17537]:- أ د: فاسلهم. ب: فاسلبهم.
[17538]:- ب: ساداه.
[17539]:- ب: وا.
[17540]:- أ: يقولون.
[17541]:- ساقطة من ج. وفي سيرة ابن هشام 1/359: منهما.
[17542]:- أ د: جاورني.
[17543]:- هو عبد الله بن أبي ربيعة.
[17544]:- ج: عمرر، د: عمر.
[17545]:- ب ج د: للرجل إذا.
[17546]:- ب: اجبتموه.
[17547]:- د: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
[17548]:- ب: مضاجعهم.
[17549]:- ب: قوله.
[17550]:- ب: رسائلهم. ج د: فصائلهم.
[17551]:- ساقطة من ب ج د.
[17552]:- ب ج د: ديننا.
[17553]:- ساقطة من ب ج د.
[17554]:- أ: أهل.
[17555]:- ب: المال.
[17556]:- ساقطة من ب ج.
[17557]:- ب: نعيد.
[17558]:- ب: الفواحش الضعيف فكنا على ذلك.
[17559]:- ساقطة من ب. وقد أثبتت فيها من قبل في غير موضعها.
[17560]:- ساقطة من د.
[17561]:- ب: نسبة.
[17562]:- في سيرة ابن هشام 1/359: عفافَهُ.
[17563]:- ب: نعيده.
[17564]:- ج د: كان.
[17565]:- ب: نعيد.
[17566]:- مخرومة في أ. ج: الأحجار.
[17567]:- ب: قيل.
[17568]:- ساقطة من ب.
[17569]:- ب ج د: جاء. وفيه سيرة ابن هشام 1/360 كما في ب ج د.
[17570]:- ب ج د: حللنا.
[17571]:- ج: فقنونا. د: فتوننا.
[17572]:- ب ج د: الخيانة.
[17573]:- د: فصرونا.
[17574]:- ب ج د: فظلمونا.
[17575]:- ب: ضيعوا.
[17576]:- ب: خرجت.
[17577]:- ب: بلك.
[17578]:- ب ج د: ألا.
[17579]:- ساقطة من ج.
[17580]:- ب ج د: فقال.
[17581]:- د: فاقرأ.
[17582]:- أي سورة مريم.
[17583]:- ب ج: بكى.
[17584]:- ساقطة من ب.
[17585]:- ب: انطلقنا.
[17586]:- ساقطة من ج د.
[17587]:- ب ج د: في أرضي. وانظر: اللسان: شيم.
[17588]:- د: الأمينون. "وقوم شُيومٌ: آمِنون، حَبَشيَّة": اللسان: شيم.
[17589]:- أ: عزما. ب ج د: عزم. والتصويب في سيرة ابن هشام 1/361. و"غَرِمَ يَغْرَم غُرْماً وغَرامة" أي: دَيْناً: انظر: اللسان: غرم.
[17590]:- انظر: المصدر السابق.
[17591]:- د: قال لها.
[17592]:- د: ثلاثة.
[17593]:- د: هدياهما.
[17594]:- ج: فوا الله.
[17595]:- ساقطة من أ.
[17596]:- في سيرة ابن هشام 1/361: مني الرشوة.
[17597]:- ج: بأخذ.
[17598]:- ساقطة من ج د.
[17599]:- أ: اعملي.
[17600]:- ج د: الناسي.
[17601]:- د: فحرجا.
[17602]:- انظر: سيرة ابن هشام 1/357 حيث أن الزهري حدَّث ابن إسحاق بهذه القصة.
[17603]:- ساقطة من ب ج د.
[17604]:- ب ج د: الآية. وانظر: أسباب النزول 136 وفيه أربع روايات مختصرة بشأن هذا. وفي لباب النقول 95 و96 ثلاث روايات.
[17605]:- ب: هي.
[17606]:- ج: اثنى.
[17607]:- في سيرة ابن هشام 1/363: بينها.
[17608]:- أ: أثنا.
[17609]:- ب: بعدوا غير منقوطة. ج د: فعدوا.
[17610]:- ب: أثنا.
[17611]:- ب: عمر.
[17612]:- د: عمر.
[17613]:- د: امره.
[17614]:- ج د: فنزل.
[17615]:- ب: منزله.
[17616]:- في سيرة ابن هشام 1/363: بينها.
[17617]:- ساقطة من ب ج د.
[17618]:- ب ج د: ليقتلنا. وفي سيرة ابن هشام 1/363 كما في ب ج د.
[17619]:- ب ج د: فقالوا له.
[17620]:- ج د: خفنا.
[17621]:- ساقطة من أ.
[17622]:- ج: السفينة.
[17623]:- أ: الى.
[17624]:- أ: العشاء. ب: الغشى.
[17625]:- ب ج: تماجت.
[17626]:- ب: السحابة.
[17627]:- ب: الحويف.
[17628]:- ج د: أولاده.
[17629]:- ب: فمرح.
[17630]:- في سيرة ابن هشام 1/364: للذي.
[17631]:- ب: أكلمة.
[17632]:- ب: إذا.
[17633]:- مخرومة في أ. ب: أكله. د: أكلمته.
[17634]:- د: فقالوا.
[17635]:- في سيرة ابن هشام 1/364: فدونك وإياه.
[17636]:- ب ج د: قال.
[17637]:- ب: دراهم.
[17638]:- ب ج د: دراهم.
[17639]:- ب ج د: قالت: فقال.
[17640]:- ب: لنعطنه.
[17641]:- ب: لنصعف غير منقوطة.
[17642]:- مستدركة في هامش أ. وجلها مخروم.
[17643]:- أ: بلى.
[17644]:- ب: باطيع.
[17645]:- ب: صلايته.
[17646]:- انظر: سيرة ابن هشام 363 و364 حيث إن عائشة حدثت عروة بهذا.
[17647]:- ج د: يتحدث.
[17648]:- ب ج د: يزول.
[17649]:- في سيرة ابن هشام 1/364 وفيه لفظة "نور" بعد قوله: "على قبره".
[17650]:- ب: سنف بدون نقطة الفاء. ج د: سن.
[17651]:- ب: ليس. ج د: بيس.
[17652]:- ب: الكتب.
[17653]:- ب ج د: أولئك يؤتون.
[17654]:- القصص: آية 52-54.
[17655]:- انظر: تفسير الطبري 10/505.
[17656]:- انظر: تفسير الطبري 10/501.
[17657]:- ب: كانوا.
[17658]:- ج: واحد.
[17659]:- انظر: تفسير الطبري 10/502 و503.