تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

وقوله تعالى : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا }

تحتمل الآية وجوها : تحتمل أن يكون ما ذكر من شدة العداوة للذين آمنوا قوما مخصوصين منهم ، وتحتمل اليهود الذين كانوا بقرب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ، هم أشد عداوة لهم ، ويحتمل اليهود جملة .

فهو ، والله أعلم ، على ما كان منهم من قتل الأنبياء وتكذيبهم إياهم ونصب القتال والحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وما كان منهم من القول الوحش في الله سبحانه ما لم يستقم أحد بمثل ما وصفوا الله عز وجل بالبخل والفقر ، وهو قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة } [ الآية : 64 ] [ وقوله تعالى ] : { إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] وغير ذلك من القول ؛ وذلك لشدة بغضهم وعداوتهم وقساوة قلوبهم . فعلى ذلك كل من دعاهم إلى دين الله تعالى ؛ فهم له أشد عداوة وأقسى قلبا .

وأما النصارى فلم يكن منهم واحد ممن كان من اليهود من قتل الأنبياء ونصب الحروب والقتال معهم . ولم يروا في مذهبهم القتال ولا الحرب ، ولا كان منهم من القول الوحش ما كان من اليهود . بل كان منهم اللين والرفق حتى حملهم ذلك على القول في عيسى ما قالوا . وذلك منهم له تعظيم فوق القدر الذي جعل الله له حتى رفعوه من قدر العبودية إلى قدر الربوبية . لذلك كفروا . وإلا كانوا يؤمنون بالكتب والأنبياء عليهم السلام من قبل .

ألا ترى أنه قال : { ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا } أخبر عز وجل أن { منهم قسيسين ورهبانا } والرهبان هو العباد ؟ وقيل : القسيسون هم الصديقون . ولم يكن من اليهود رهبان ولا قسيسون . لذلك كان النصارى أقرب مودة وألين قلبا من اليهود ، و الله أعلم .

فإن كان ذلك في قوم مخصوصين مشار إليهم ، فهو ما ذكر في القصة أن بني قريظة والنضير كانوا يعاونون ، ويظاهرون مشركي العرب على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرونهم . وبذلك ظاهروا ، وأعانوا لمن لم يؤمن من بنبي ولا كتب /135- أ/ قط على من قد آمن بالأنبياء والكتب جميعا ؛ وذلك لسفههم وشدة تعنتهم حتى قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم من بلادهم إلى أٍرض الشام . إن [ كان ذلك في ] قوم بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مؤمنين فهو ما كان من يهود المدينة حين بايعوا أهل مكة على قتال رسول لله صلى الله عليه وسلم وكانوا عيونا لهم عليهم وطلائع . ولم يذكر في قصة من القصص أنه كان من النصارى [ شيء من ذلك [ لذلك كانوا ] ] أقرب مودة للمؤمنين ، والله أعلم .

وما قاله بعض أهل التأويل بأن من أسلم منهم كان أقرب مودة للمؤمنين من اليهود .

فحاصل هذا الكلام أن المؤمن أقرب [ مودة ] للمؤمنين من الكافرين ، وذلك لا يفيد معنى .