بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

ثم قال :

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود }

وهم يهود بني قريظة ، وبني النضير ، { والذين أَشْرَكُواْ } يعني : مشركي أهل مكة ، { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى } قال بعضهم : إنما أراد الذين هم النصارى في ذلك الوقت ، لأنهم كانوا أقل مظاهرة على المؤمنين ، وأسرع إجابة للإسلام . وقال أكثر المفسرين : إن المراد به النصارى الذين أسلموا ، وفي سياق الآية دليل عليه ، وهو قوله : { فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا وذلك جزاء المحسنين } [ المائدة : 85 ] وروى أسباط عن السدي ، قال : بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر رجلاً من الحبشة ، وسبعة قسيسين ، وخمسة رهبان ينظرون إليه ويسألونه ، فلما لقوه ، وقرأ عليهم ما أنزل الله عليه بكوا وآمنوا به ورجعوا إلى النجاشي . فهاجر النجاشي معهم . فمات في الطريق . فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستغفروا له .

وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أنه سئل عن هذه الآية فقال : هم الوفد الذين قدموا مع جعفر الطيار من أرض الحبشة . وعن الزهري ، أنه سئل عن هذه الآية فقال : ما زلنا نسمع أنها نزلت في النجاشي وأصحابه .

ثم قال : { ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً } يعني : المتعبدين ، وأصحاب الصوامع ، ويقال : { قِسّيسِينَ } علماؤهم ، { وَرُهْبَاناً } يعني : خائفين من الله تعالى ، وقال بعض أهل اللغة : القس والقسيس : رؤساء النصارى ، والقس بفتح القاف النميمة .

ثم قال : { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } يعني : لا يتعظمون على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .