فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون( 82 ) }

في آيات قبل هذه بين الكتاب العزيز بعض سبل الخبال والضلال التي اتبعها الغواة من الإسرائيليين ، فلعنهم الله تعالى فيما أنزل من كتبه ، وعلى ألسن المرسلين-صلوات ربنا على النبيين أجمعين- ثم بدأت الآية الكريمة { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } كالتقرير لما قبلها من تعداد مساوئ اليهود والذين اتخذوا من دون الله سبحانه آلهة ؛ ودخول اللام عليها يزيدها تقريرا وتوكيدا ، فهي المواطئة للقسم ؛ والخطاب لسيدنا رسول الله صلوات ربنا عليه وسلامه ، ولكل من يصلح للخطاب ؛ فكأن المعنى : لتلاقُن أغلظ الناس في عداوتكم أيها المؤمنون من كان يهوديا( {[1850]} ) أو مشركا ، - ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ، ومباهتة للحق ، وغمط للناس ، وتنقص بحملة العلم ، ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء ، حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وسموه وسحروه ، وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة-( {[1851]} ) ، ( وفي الآية من الفائدة أن التمرد والمعصية عادة لهم ففرغ يا محمد ولا تبال بمكرهم ، ولا تحزن على كيدهم ) ( {[1852]} ) .

{ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون } عن مجاهد : هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة ؛ وقال السدي : بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر رجلا من الحبشة سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ينظرون إليه ويسألونه ، فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بَكَوْا وآمنوا ، فأنزل الله عليه فيهم : { وأنهم لا يستكبرون } .


[1850]:يقول بعض المفسرين ما حاصله: ولكونهم أنكى وأصلب في العداوة للمؤمنين، قرنوا بأهل الشرك بل ذكروا قبلهم، كما ذكروا قبلهم في شدة التعلق بالحياة، وذلك قول الله جل علاه:( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا..).
[1851]:من تفسير القرآن العظيم.
[1852]:من تفسير غرائب القرآن.