غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (82)

ثم وصف شدة شكيمة اليهود ولين عريكة النصارى فقال { لتجدن } يا محمد أوكل من له أهلية الخطاب { أشد الناس عداوة } وقد تعلقت بها اللام في قوله { للذين آمنوا } كما تعلقت بالمودة فيما بعد . وظاهر الآية يدل على أن اليهود في غاية العداوة للمسلمين وكيف لا وقد نبه على تقدم قدمهم في العداوة بتقديمهم على الذين أشركوا وعن النبي صلى الله عليه وسلم «ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله » لكنه روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي أن المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على رسول لله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ولم يرد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للمسلمين . وقال آخرون : مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان ، بالقتل أو بغصب الماء أو بوجوه المكايد والحيل ، وليس النصارى مذهبهم ذلك بل الإيذاء في دينهم حرام وهذا هو وجه التفاوت بالعداوة والمودة ، وقد أكد ذلك بوصف العداوة والمودّة بالأشد والأقرب . وفي الآية من الفائدة أن التمرد والمعصية عادة لهم ففرغ قلبك يا محمد ولا تبال بمكرهم ولا تحزن على كيدهم . ثم ذكر سبب ذالك التفاوت فقال { ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً } القس والقسيس اسم لرئيس النصارى في العلم والدين وكأنه من القس وهو تتبع الشيء وطلبه . قال قطرب : هو العالم بلغة الروم وهذا مما وقع فيه الوفاق بين اللغتين . وقال عروة بن الزبير : ضيعت النصارى الإنجيل وأدخلت فيه ما ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين يسمى قسيساً ، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس . والرهبان جمع راهب كركبان وفرسان في راكب وفارس . وقيل : إنه واحد وجمعه رهابين كقربان وقرابين ولكن النظام يأباه . وأصله من الرهبة بمعنى الخوف من الله تعالى ، وإنما صارت الرهبانية ممدوحة في مقابلة قساوة اليهود وغلظتهم وإلا فهي مذمومة في نفسها لقوله تعالى : { ورهبانية ابتدعوها } [ الحديد : 27 ] ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا رهبانية في الإسلام » وهاهنا نكتة هي أن كفر النصارى حيث إنهم ينازعون في الإلهيات والنبوات جميعاً أغلظ في الحقيقة من كفر اليهود لأنهم لا ينازعون إلا في النبوات إلا بعضهم القائلين بأن عزيراً ابن الله . ثم إن النصارى لما يشتد حرصهم على طلب الدنيا وعلى الحياة وأقبلوا على العلم والبراءة من الكبر خصهم الله تعالى بالمدح وذم اليهود حيث قال { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } [ البقرة : 96 ] { غلت أيديهم } [ المائدة :64 ] فتبين صحة قوله صلى الله عليه وسلم «حب الدنيا رأس كل خطيئة » .

/خ85