ثم قال تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر }[ 82 ] . أي : واذكر يا محمد أيوب حين نادى ربه ، وقد مسه الضر والبلاء . رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له دعاءه فكشفنا{[46204]} ما به من ضر . ويروى أنه ما نادى إلا بعد تسع سنين ، وكان الضر الذي نزل به اختبارا من الله تعالى له ، وامتحانا . وكان الله قد وسع عليه في دنياه ، وأعطاه ولدا وأهلا ، فاختبره الله بهلاك ماله فشكر وعلم أنه من عند الله . ثم ابتلاه بذهاب أهله وولده فصبر وشكر ، ثم ابتلاه بالبلاء في جسمه ، فتناثر{[46205]} لحمه ، وتذود جسمه وعظم عليه البلاء حتى أخرجه أهل بلده من قريتهم ، ورموه على تل من الأرض خارج القرية وكان إبليس في خلال تلك المحن يتصور له{[46206]} ويستفزه أن يكفر بنعم الله أو يغضب لما حل عليه ، ولم يجد فيه إحالة عن شكره وذكره ، ولم يبق من أهله إلا امرأة واحدة تقوم عليه وتكسب له ، وإبليس اللعين يتلطف أن يستفز أحدهما{[46207]} بزلة أو كفر ، فلم يقدر على ذلك .
قال وهب بن منبه : فبلغني أنها التمست له يوما من الأيام ما تطعمه ، فما وجدت شيئا حتى جزت قرنا من رأسها فباغته برغيف{[46208]} فأتته فعشته إياه . قال وهب : فلبث في ذلك البلاء ثلاث سنين .
وقال الحسن البصري : مكث في ذلك البلاء تسع سنين وستة أشهر ملقى على{[46209]} رماد في جانب القرية ، فلما اشتد بلاؤه وعظمت مصيبته{[46210]} أراد الله تعالى أن يفرج عنه ، فقيل له : يا أيوب ، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك وقد{[46211]} وهبت لك أهلك ومثلهم معهم وولدك ، ومثلهم معهم ، وعمرك ومثله معه ، لتكون لمن خلفك آية ، وتكون عبرة لأهل البلاء ، وعزاء للصابرين . فركض برجله ، وانفرجت له عين فدخل فيها فاغتسل . فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء ، ثم خرج وجلس ، وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه ، فلم تجده ، وقامت كالواهلة ملتدمة ، ثم قالت : يا عبد الله ، هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ها هنا ؟ قال : لا ، ثم تبسم فعرفته واعتنقته .
قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده ، ما فارقته من عناقه حتى موجها كل مال لهما وولد .
ويروى أن الله جل ذكره رد عليه أهله ومثلهم معهم ، وأمطر عليه فراشا من ذهب ، فجمع حتى ملأ كل ما أراد ، وأقبل يشحن في ثيابه فأوحى الله إليه ، أما يكفيك ما جمعت حتى تشحن في قميصك ؟ فقال أيوب : وما يشبع من خيرك ؟
ويروى أن إبليس اللعين تمثل لامرأة أيوب صلى الله عليه وسلم في هيئة شريفة ومركب له هيبة ، وقال [ لها ]{[46212]} :
أنت صاحبة أيوب المبتلى ؟ فقالت : نعم . قال : هل تعرفينني ؟ قالت : لا . فقال : أنا إله الأرض ، وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد إله السماء وتركني . ولو سجد لي سجدة واحدة لرددت عليك وعليه كل ما كان لكما من مال وولد . ثم مثل لها أباهم ببطن الوادي الذي لقيها فيه وقال إن صاحبك أكل طعاما ولم يسمنى عليه{[46213]} لعوفي مما به من البلاء ، فرجعت امرأة أيوب إليه ، فأخبرته بما قال لها وما أراها فقال لها أيوب ، قد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك . ثم أقسم أن الله عافاه{[46214]} ليضربنها مائة ضربة .
قال ابن عباس : لما ابتلاه الله بما ابتلاه [ ولم يشأ ]{[46215]} الدعاء في أن يكشف عنه ما به من ضر ، غير أنه كان يذكر الله كثيرا ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيمان ، فلما انتهى الكتاب أجله أذن له في الدعاء فدعا ، فكشف ما به ، ورد عليه مثل أهله وماله الذين ذهبوا ، ولم يرد عليه الذي هلك ، لكن وعده أن يوليه إياهم في الآخرة ، قال مجاهد . قال : خُيِّرَ أيوب أن يرد عليه أهله ومثلهم معهم في الدنيا ، أو يعطى في الدنيا مثل أهله ، ويرد عليه في الآخرة أهله ، فاختار أن يردوا عليه في الآخرة ويعطى في الدنيا مثلهم ، وقاله ابن عباس{[46216]} .
وقال الحسن{[46217]} : رد عليه ماله الذي ذهب ومثلهم معهم من النسل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.