الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

ثم قال تعالى : { وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا }[ 25 ] .

أي : وناد يا إبراهيم الناس بالحج يأتوك رجالا{[46820]} وركبانا . ورجال : جمع راجل ، كقائم وقيام .

وقوله : { وعلى كل ضامر }[ 25 ] .

أي : ويأتوك على كل بعير ضامر قد أضمره بعد المسافة من كل فج عميق . والضامر{[46821]} : المهزول .

وقال : ( يأتين ) يريد به النوق . ولو قلت في الكلام : مررت بكل رجل قائمين ، حسن . فكان ( ضامرا ) في موضع ضوامر ولكن وحد ، لأن ( كل ) تدل على العموم ، والعموم والجمع متقاربان .

وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى بالتأذين بالحج ، قام على مقامه ، فنادى : يا أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق .

وقال ابن عباس{[46822]} : لما فرغ إبراهيم من بناء{[46823]} البيت ، قيل له : أذن في الناس بالحج . قال : يا رب ، وما{[46824]} .

وعن ابن عباس أيضا ومجاهد : {[46825]} أن إبراهيم لما نادى : أيها الناس ، كتب عليكم الحج أسمع من أصلاب الرجال ، وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك .

وعن ابن عباس أيضا أنه قال : إن إبراهيم لما أمر أن{[46826]} يؤذن في الناس بالحج ، خفضت له الجبال ، رؤوسها ورفعت القرى فأذن في الناس . قال ابن عباس{[46827]} عنى بالناس هنا أهل القبلة ألم تسمعه قال : { إن أول بيت وضع للناس للذي بمكة مباركا وهدى }{[46828]} .

ثم قال : { ومن دخله كان آمنا }{[46829]} يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر إبراهيم أن يؤذن فيهم فكتب عليهم الحج .

قال ابن عباس{[46830]} : { ياتوك رجالا } أي : مشاة . قال : وما آسى على شيء ، فإني آسى ألا أكون حججت ماشيا ، سمعت الله تعالى يقول : يأتوك رجالا .

وقال مجاهد{[46831]} : حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين .

وقال ابن عباس{[46832]} : { وعلى كل ضامر } : الإبل .

قال مجاهد{[46833]} : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله تعالى ذكره : { وعلى كل ضامر } فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب .

وقوله : { من كل فج عميق }[ 25 ] .

قال ابن عباس وقتادة{[46834]} : من كل مكان بعيد .

والظاهر في هذه الآية والخطاب – وعليه أكثر المفسرين – أن هذا كله خطاب لإبراهيم ، كان ومضى ، أخبرنا الله به .

وقيل{[46835]} : إن قوله تعالى : { أن لا تشرك بي شيئا } . . . - إلى – { والركع السجود } مخاطبة لإبراهيم ، وقوله : ( وأذن في الناس وما بعده ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . أي أعلمهم أن الحج فرض عليهم ، فيقف القاري على/ هذا القول ، على{[46836]} ( السجود ) ويبتدئ ( وأذن ) .

وقيل : إن قوله : { أن لا تشرك بي شيئا } وما بعده ، خطاب للنبي عليه السلام ، كله لأن القرآن عليه نزل ، وهو المخاطب به ، ولا يخرج عن مخاطبته إلى مخاطبة غيره إلا بتوقيف أو دليل قاطع . وأيضا فإن ( أن لا تشرك بي ) خطاب لشاهد ، وإبراهيم غائب ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، هو الشاهد الحاضر في وقت نزول القرآن ، فيكون المعنى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، فجعلنا ذلك من الدلائل على توحيد الله ، وعلى أن إبراهيم كان يعبد الله وحده ، فلا تشرك{[46837]} بي شيئا ، وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحج : أي : أعلمهم أنه فرض عليهم .

وقيل : أعلمهم أنك تحج حجة الوداع ليحجوا معك{[46838]} فيكون الوقف على هذا التأويل ( مكان البيت ) ويبتدئ في مخاطبة النبي عليه السلام{[46839]} ( أن لا تشرك ) أي وعهدنا إليك ألا تشرك بي شيئا .

ومن جعله كله خطابا لإبراهيم ، وقف على { كل ضامر } على أن يقطع ( يأتين ) مما قبله . قاله : نافع والأخفش ويعقوب ، وغيرهم{[46840]} .

والعمق في اللغة : البعد{[46841]} . ومنه بنو عميقة أي : بعيدة .

وقرأ عكرمة{[46842]} : يأتوك رجالا ، جعله جمع راجل ، أيضا مثل راكب وركاب ، ويقال أيضا : راجل ، {[46843]} ورجله ، {[46844]} وراجل ، ورجالة .


[46820]:قوله: (أي وناد ...يأتوك رجالا) ساقط من ز.
[46821]:ز: الضمير. (تحريف).
[46822]:انظر: جامع البيان 17/144 وزاد المسير 5/423.
[46823]:ز: بنيان.
[46824]:ز: رب ومن.
[46825]:انظر: جامع البيان 17/144، والدر المنثور 4/355.
[46826]:إن سقطت من ز.
[46827]:انظر: جامع البيان 17/145، والدر المنثور 4/355.
[46828]:آل عمران آية 96-97.
[46829]:انظر: المصدر السابق.
[46830]:انظر: جامع البيان 17/145 وتفسير القرطبي 12/39، وتفسير ابن كثير 3/216، والدر المنثور 4/355.
[46831]:انظر: جامع البيان 17/146، والدر المنثور 4/355.
[46832]:انظر: المصدر السابق.
[46833]:انظر: جامع البيان 17/146، والدر المنثور 4/355.
[46834]:انظر: المصدر السابق.
[46835]:انظر: القطع للنحاس: 490-491، ومنار الهدى 256، والمكتفى: 256.
[46836]:ع: والسجود.
[46837]:ز: فلا يشرك به.
[46838]:معك سقطت من ز.
[46839]:(النبي عليه السلام) ساقط من ز.
[46840]:انظر: القطع للنحاس: 491، والمكتفي: 256.
[46841]:انظر: العمدة في غريب القرآن: 212، ومفردات الراغب: 519.
[46842]:انظر: مختصر ابن خالويه: 97، والمحتسب 2/79.
[46843]:ز: رجل. (تحريف).
[46844]:رجله سقطت من ز.