ثم قال : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله }[ 23 ] .
أي : إن الذين جحدوا توحيد الله ، وكذبوا رسله ومنعوا الناس الدخول في دين الله وصدوهم عن المسجد الحرام الذي جعله الله للناس المؤمنين كافة لم يخصص به بعض دون بعض ، هلكوا . وهذا خبر أن ، محذوف من الكلام .
وقيل : الخبر : يصدون . فالواو زائدة .
قال أبو إسحاق : الخبر : نذقه من عذاب أليم . وهذا غلط ، لأنه جواب الشرط .
ثم قال : { سواء العاكف فيه والباد }[ 23 ] .
أي : معتدل في النزول فيه ، المقيم والبادي . فالبادي [ المنتاب إليه من غيره ]{[46766]} .
والعاكف أهله . أي : ليس أحدهم أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر ، إلا أن يكون أحد سبق إلى منزل .
قال ابن زيد ومجاهد{[46767]} : ذلك مباح في بيوت مكة .
وروي{[46768]} أن الأبواب إنما عملت على بيوت مكة من السَّرَق{[46769]} ، لأن الناس كانوا ينزلون أينما وجدوا . فعمل رجل بابا ، فأرسل إليه عمر : اتخذت بابا من حجاج بيت الله ؟ فقال : لا ، إنما جعلته متحرز متاعهم . واختلف في الآية . فقيل{[46770]} : عُني بها المسجد الحرام خاصة . ليس أحد أولى به من غيره .
وقيل{[46771]} : عني بها مكة ، ليس أحد أولى بمسكن فيها من غيره .
والمعنى : والمسجد الحرام . أي : ويصدون الناس عن دخول المسجد الحرام والصلاة فيه ، والطواف بالبيت ، وهو موضع يستوي فيه المقيم والطارئ ، حقهم فيه واحد . وهذا يدل على أن المراد المسجد الحرام ، دون بيت مكة ، وهو ظاهر اللفظ . وقد ملك الناس دور مكة وتبايعوا من أول الإسلام إلى الآن وهم يتوارثونها من أول الإسلام . فظاهر لفظ الآية إنما يدل على أن العاكف والطارئ حقهما في المسجد سواء ، لا فضل لأحدهما على الآخر .
وقد قال ابن عباس{[46772]} : ذلك في المسجد الحرام خاصة .
وعن مجاهد وعطاء : أن المعنى : أن أهل مكة والغريب بها ، هما في حرمة الإسلام سواء ، لا يمنع أحد من دخوله من المؤمنين . لا يُضر أحد منه . وهذا القول يؤيده صدر الآية ، لأنه تعالى إنما ذكر [ صد ]{[46773]} الكافرين المؤمنين عن المسجد الحرام ومنعهم منه . ثم أعلمنا آخر الآية أن أهله والغريب في حرمته سواء ، لا يُمنع أحد منهم .
ومن قرأ ( سواء ) بالرفع ، جعله مبتدأ . والعاكف فيه خبره . وإن شئت جعلت العاكف مبتدأ وسواء خبر مقدم . فتقف على ( للناس ) ، على تقدير الوجهين . ويكون : ( للناس ) ، في موضع المفعول الثاني ، تقف على ( للناس ) . ومن قرأ بالنصب ، جعله مفعولا ثانيا ل ( جعلنا ) ويرتفع العاكف . والأحسن عند سيبويه في مثل هذا : الرفع ، لأنه غير جار على الفعل . وقد قرئ ( سواء ) بالنصب ( العاكف ) بالخفض ، على أن يكون ( سواء ) مفعولا ثانيا ل( جعلناه ) والعاكف والبادي بدلا من الناس ، أو نعتا لهم .
ثم قال : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه } فالباء في ( بإلحاد ) زائدة . قاله : الأخفش وأبو عبيدة{[46774]} . وقال الكوفيون : إنما دخلت الباء هنا ، لأن معناه : ومن يرد فيه بأن يلحد . والباء تدخل وتحذف مع ( أن ) كثيرا ومنع المبرد ، الزيادة في كتاب الله ، والقول عنده : إن يرد . يدل على الإرادة . فيدخل الباء مع الفعل . على تقدير دخولها مع المصدر . فالتقدير عنده . ومن أراد به بأن يلحد ، وهو ظالم{[46775]} . كما قال : أريد لأنسى ذكره . فكأنما تخيل لي ليلا بكل سبيل . فأدخل اللام ، على تقدير دخولها مع المصدر . أي : إرادتي لكذا .
قال ابن عباس{[46776]} : { بظلم } بشرك .
وقال مجاهد{[46777]} : ( من يرد فيه غير الله ) وقاله الحسن .
وقال قتادة{[46778]} : من أشرك في بيت الله ، عذبه الله .
وعن ابن عباس{[46779]} : أن المعنى : من استحل من الحرام ما حرم الله ، أذاقه الله العذاب المؤلم ، مثل القتل ونحوه .
وقال مجاهد{[46780]} : معناه : من يعمل فيه عملا [ سيئا ]{[46781]} .
وهذه الآية تدل على أن الإنسان /{[46782]} يجب عليه العقاب{[46783]} بنيته لفعل الشر في الحرم . ألا ترى إلى قوله : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ولم يقل : من يفعل ذلك . وإنما ذكر العقوبة على الإرادة فقط ، فهو ظاهر الآية ، وذلك لعظيم حرمة الحرم وجلاله قدره ، وكذلك يضاعف فيه الحسنات أكثر مما يضاعف في غيره .
وقال ابن عمر{[46784]} : ما من رجل يهم بسيئة فتكتب{[46785]} عليه ، يعني : في غير الحرم وفي غير أهل الحرم ، قال : ولو أن رجلا بِعَدَن أبينَ همَّ بقتل رجل بهذا البيت إلا أذاقه الله من العذاب الأليم .
وقال الضحاك{[46786]} : إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها فتكتب{[46787]} عليه .
وعن ابن عباس أيضا أن المعنى{[46788]} : من يرد استحلاله متعمدا .
وقال حبيب بن أبي ثابت{[46789]} : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) ، هم : المحتكرون الطعام بمكة .
وروي عن عمر بن الخطاب{[46790]} رضي الله عنه أنه قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد .
وقال مجاهد{[46791]} : بيع الطعام بمكة إلحاد ، وليس الجالب كالمقيم .
وقال الضحاك : الإلحاد في هذا الموضع : الشرك .
وقال عطاء : هو عبادة غير الله .
وقيل{[46792]} : إنه كل ما كان منهيا عنه{[46793]} حتى قول الرجل : ( لا والله وبلى والله ) .
وروى مجاهد أن ابن عمر{[46794]} كان له فسطاطان ، أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله ، عاتبهم في الحل . فسئل عن ذلك فقال : كنا{[46795]} نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل بمكة بلى والله ، وكلا والله . وأصل الإلحاد ، الميل عن القصد{[46796]} ، ومنه سمي اللحد ، ولو كان مستويا لقيل ضريح .
ومنه قوله : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه }{[46797]} .
وحكى الأحمر{[46798]} : ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال{[46799]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.