الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (114)

قوله : عز وجل ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمُ ) الآية [ 114 ] .

المعنى : لا خير في كثير من نجوى( {[13546]} ) المتناجين من الناس إلا في من أمر بصدقة ، أو معروف ، أو إصلاح بين الناس ، فإن أولئك فيهم الخير ، فنجوى على هذا اسم للناس المتناجين( {[13547]} ) .

والصدقة : معروف( {[13548]} ) .

وقوله : ( أَوْ مَعْرُوفٍ ) هو جميع فعل الخير غير الصدقة( {[13549]} ) .

وقد قيل : المعروف في هذا : القرض( {[13550]} ) يقرضه الإنسان المحتاج فقد أتى : " أن القرض كالصدقة " وأن فيه أجراً عظيماً .

وقيل : المعنى : لا خير في كثير من نجوى الناس إلا في نجوى من أمر بصدقة( {[13551]} ) .

فتكون على القول الأول النجوى هم الناس ، ولكنه خرج على جمع جرحى ، وشكرى( {[13552]} ) ، ويكون في القول الثاني على بابها : اسم للسر لكن تقدر في الثاني حرف تقديره " إلا في نجوى من أمر بصدقة " ( {[13553]} ) .


[13546]:- (أ) في نجوى من المتناجين.
[13547]:- يقال نجوته نجوى أي ساررته، ومثله ناجيته، والاسم النجوى والنجوى في الكلام ما ينفرد به الجماعة، أو الاثنان سراً كان أو ظاهراً. انظر: المفردات: 504، واللسان: نجوى 15/308.
[13548]:- هو اختيار الفراء الذي يجعل من في موضع خفض بالرد على النجوى. معاني الفراء 1/285 وهو اختيار الطبري أيضاً في جامع البيان 5/276.
[13549]:- المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، وما ندب إليه الشرع، فتندرج فيه الصدقة، فلا وجه لاستثنائها من المعروف كما هو مذهب مكي، اللهم إلا إذا فسرنا الاقتصاد في الجود معروفاً لما كان ذلك مستحسناً في العقول بالشرع، انظر: المفردات 343 واللسان عرف 9/240.
[13550]:- عزاه القرطبي إلى مقاتل في الجامع للأحكام 5/383، وعزاه أبو حيان إلى ابن عباس في البحر 3/349.
[13551]:- انظر: معاني الأخفش 1/454.
[13552]:- هو اختيار الطبري في جامع البيان 5/277.
[13553]:- تحتمل النجوى في هذه الآية أن يكون معناها الجماعة، أو تكون مصدراً، فإن قدرت بمعنى الجماعة فالاستثناء متصل كأنه قال: لا خير في كثير من جماعاتهم المنفردة المتسارة إلا من أمر بمعروف، وإن قدرت على أنها مصدر فكأنه قال: لا خير في كثير من تناجيهم، فالاستثناء منقطع بحكم اللفظ، ويقدر اتصاله على حذف مضاف كأنه قال: إلا نجوى من أمر، انظر: معاني الزجاج 2/106، وإعراب النحاس 1/452، ومشكل الإعراب 1/208.