الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

ثم قال تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } إن الذين وحدوا الله وعلموا أنه لا رب لهم غيره ، ثم استقاموا على التوحيد والطاعة إلى الوفاة .

روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } – الآية فقال : " قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم . فمن مات عليها فهو ممن استقام " {[60368]} .

وقيل : معناه : ثم لم يشركوا به شيئا . قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه{[60369]} .

وروي عنه أن هذه الآية قرئت عنده فقال : هم الذين لم يشركوا به شيئا ، فقالوا : لم يعصوا الله ؟ فقال أبو بكر : لقد ضيقتم الأمر ، إنما هو : ثم استقاموا ( على ألا يشركوا به شيئا ){[60370]} .

وعنه أنه قال : ثم استقاموا : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان{[60371]} .

وقال مجاهد{[60372]} : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله ، ثم لم يشركوا حتى لقوه .

وروى الزهري أن عمر رضي الله عنه تلا هذه الآية فقال : استقاموا – والله – على طاعة الله ولم يروغوا روغان الثعلب .

وقال قتادة : استقاموا{[60373]} على طاعة الله عز وجل .

وكان الحسن : إذا قرأها قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .

وقال ابن زيد : استقاموا على ( عبادة الله وعلى طاعته{[60374]} ) .

وقيل : لم يحدثوا{[60375]} بعد إيمانهم كفرا . لأن المشركين قالوا : ربنا الله وعبدوا الأصنام وقالوا : الملائكة بنات الله سبحانه ، وقالت اليهود : ربنا الله ، ثم كفروا فقالوا : عزيز ابن الله سبحانه وكفروا بمحمد ، ( وقالت النصارى : ربنا الله ثم كفروا وقالوا عيسى ابن الله ، وقال بعضهم هو الله ، وقال المسلمون : ربنا الله ولم يعبدوا معه غيره وآمنوا بمحمد وبجميع الأنبياء .

وقوله : { تتنزل عليهم الملائكة } معناه : تتهبط عليهم الملائكة من عند الله{[60376]} عند نزول الموت بهم . قاله مجاهد والسدي{[60377]} .

يقولون لهم : لا تخافوا مما قدامكم ، ولا تحزنوا على ما خلفكم ، وأبشروا بالجنة التي وعدكموها الله عز وجل ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

وقرأ ابن مسعود : { تتنزل عليهم الملائكة } لا تخافوا ، أي : قائلة لهم : لا تخافوا مما تقدمون عليه ، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم{[60378]} .

وقال السدي : معناه : لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على ما بعدكم{[60379]} .

وقال مجاهد : معناه : ألا تخافوا مما تقدموه عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل ، وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله{[60380]} .

قال زيد بن أسلم : البشارة في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وعند القبر ، وعند البعث{[60381]} .

وعن ابن عباس أن هذه البشرى في الآخرة تكون لهم من الملائكة{[60382]} .


[60368]:أخرجه الترمذي في كتاب التفسير ج 12/129، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأحمد 3/413 و 4/485، والنسائي في تفسيره ج 2/261 ح 490، وابن جرير في جامع البيان 24/73، والسيوطي في الدر المنثور 7/321 وأضاف تخريجه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه كلهم بالمعنى.
[60369]:انظر: جامع البيان 24/73، والمحرر الوجيز 14/183 وجامع القرطبي 15/358، وتفسير ابن كثير 4/99، والدر المنثور 7/322. كلهم عن أبي بكر إلا في الدر المنثور فإنه روي عن عمر.
[60370]:أخرجه الحاكم في مستدركه 2/440 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص 2/440، وأخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان 24/73 كلهم عن أبي بكر بمعناه.
[60371]:انظر: جامع البيان 24/73.
[60372]:ساقط من (ح).
[60373]:(ح): ثم استقاموا.
[60374]:(ح): (طاعة الله عز وجل وعلى عبادته سبحانه). وانظر: جامع البيان 24/74، وجامع القرطبي 15/358.
[60375]:(ح): لم يحدث.
[60376]:(ح): تنهبط.
[60377]:انظر: تفسير مجاهد 2/571، وجامع البيان 24/74، وتفسير ابن كثير 4/100، وفي جامع القرطبي عن مجاهد فقط 15/358.
[60378]:انظر: جامع البيان 24/74.
[60379]:انظر: جامع البيان 24/74.
[60380]:انظر: المحرر الوجيز 14/184. ولم أقف على هذا القول في تفسير مجاهد 2/571.
[60381]:انظر: إعراب النحاس 4/60، وتفسير ابن كثير 4/100، وعقب ابن كثير على هذا بقوله: (هذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا، وهو الواقع).
[60382]:انظر: جامع البيان 24/74.