الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (44)

ثم قال تعالى { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي } أي : ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا ( لقال قومك : يا محمد هلا{[60503]} بينت آياته فنفهمه ، أقرآن أعجمي ونبي عربي . أي : لكانوا يقولون ذلك إنكارا له .

قال ابن جبير : معناه : لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا : القرآن أعجمي ومحمد عربي ){[60504]} .

وقال السدي : معناه : لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا ، نحن قوم عرب{[60505]} ، ما لنا وللعجمة{[60506]} .

وهذا كله على قراءة من قرأ بالاستفهام في ( أعجمي ) . فأما على قراءة من جعله خبرا{[60507]} فمعناه : لو جعلنا القرآن أعجميا لقالوا : هلا فصلت آياته ، فجاء بعضها عربي وبعضها عجمي ، ( فنحن نعرف العربي ){[60508]} ويعرف العجم{[60509]} العجمي{[60510]} .

قال ابن جبير : قالت قريش : هلا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا فأنزل الله عز وجل لقالوا{ لولا فصلت آياته أعجمي وعربي }{[60511]} .

والأعجمي : المنسوب إلى اللسان الأعجمي ، يقال : رجل أعجمي{[60512]} إذا كان لا يفصح – كان من العرب أو من العجم ، ويقال رجل عجمي إذا كان من الأعاجم فصيحا كان أو غير فصيح .

ثم قال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } أي : قل يا محمد : هذا القرآن للذين آمنوا به وصدقوا بما{[60513]} فيه ( هدى ) ، أي : بيان للحق ( وشفاء ) ، ( أي : دواء ){[60514]} من الجهل .

ثم قال تعالى : { والذين لا يومنون في آذانهم وقر } أي : والذين لا يؤمنون به وبما فيه في آذانهم صمم عن استماع{[60515]} لا ينتفعون به{[60516]} .

{ وهو عليهم عمى } أي : وهذا القرآن على قلوب المكذبين به عمى لا يبصرون حججه وما فيه من المواعظ .

قال قتدة : عموا وصموا عن القرآن ، فلا ينتفعون به ، ولا يرغبون فيه{[60517]} .

وقال السدي : عميت{[60518]} قلوبهم عنه{[60519]} .

قال ابن زيد : ( العمى : الكفر{[60520]} ) .

وقرأ ابن عباس ومعاوية{[60521]} وعمرو بن العاص{[60522]} : ( وهو عليهم عم{[60523]} ) على فعل{[60524]} .

ثم قال تعالى { أولئك ينادون من مكان بعيد } .

هذا تشبيه لبعد قلوبهم عن قبول الحق والموعظة .

والعرب : تقول للرجل البعيد الفهم : ( إنك لتنادي من بعد ) ويقولون للفهيم{[60525]} : إنك لتأخذ الأمر{[60526]} من قريب .

قال مجاهد : معناه ( بعيد من قلوبهم ) ، وقاله الثوري أيضا{[60527]} وقال ابن زيد : ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب ( ويتوبون ويؤمنون فيقبل{[60528]} ) منهم فماتوا{[60529]} .

وقال الضحاك : هذا يوم القيامة ، ينادون بأشنع أسمائهم ليفضحوا على رؤوس الخلائق / فيكون أعظم في توبيخهم{[60530]} .


[60503]:(ت): فهلا.
[60504]:في طرة (ت). وانظر: تفسير مجاهد 2/572، وجامع البيان 24/80، والمحرر الوجيز 14/193، وتفسير ابن كثير 4/104.
[60505]:(ت): عربي.
[60506]:انظر: جامع البيان 24/80، وتفسير ابن كثير 4/104.
[60507]:قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (أأعجمي) بهمزتين محققين، وقرأ هشام والحسن والضحاك وأبو الأسود الجحدري بهمزة واحدة على الخبر، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بهمزة ممدودة. انظر: الكشف 2/248، والسبعة 576، وحجة القراءات 637، وجامع البيان 24/80، والمحرر الوجيز 14/193، وغيث النفع 343.
[60508]:(ت) (فنعرف نحن العرب).
[60509]:ساقط من (ت).
[60510]:قال الأخفش في معانيه 2/685 معقبا على القراءتين: (وكل جائز في معنى واحد).
[60511]:انظر: جامع البيان 24/80، وجامع القرطبي 15/369.
[60512]:(ت): أعجمي.
[60513]:(ح): ما.
[60514]:(ح): ودواء.
[60515]:(ح): استمتاع.
[60516]:كذا في (ت) و(ح) ولعل الصواب: ما ينتفعون به.
[60517]:انظر: جامع البيان 24/81.
[60518]:(ح): عجبت.
[60519]:انظر: جامع البيان 24/81.
[60520]:(ت): بالكفر. وانظر: جامع البيان 24/81.
[60521]:هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي أبو عبد الرحمن، أسلم يوم الفتح، ولاه عمر على الشام بعد موت أخيه يزيد. وصارت إليه الخلافة بعد تنازل الحسن إبن علي عنها. توفي رحمه الله سنة 60 هـ. انظر: تاريخ الطبري 6/180، والاستيعاب 3/1416 ت 2435 والإصابة 3/433 ت 8068.
[60522]:هو عمرو بن العاص بن وائل أبو عبد الله القرشي السهمي أسلم سنة ثمان للهجرة. وقف إلى جانب معاوية في فتنته مع علي. روى 39 حديثا. توفي سنة 43 هـ. انظر: الاستيعاب 3/1184 ت 1931، والإصابة 3/2 ت 5882.
[60523]:انظر: معاني الفراء 3/20، وجامع البيان 24/81، وإعراب النحاس 4/65، والمحرر الوجيز 14/194.
[60524]:(ت): فعلين.
[60525]:(ح): للفهم.
[60526]:(ح): الأمور.
[60527]:انظر: جامع البيان 24/81، وإعراب النحاس 4/65، والمحرر الوجيز 14/194، وجامع القرطبي 15/370، وتفسير ابن كثير 4/104. كلهم عن مجاهد فقط إلا جامع البيان فإن فيه عن الثوري أيضا، وقد ورد هذا القول في إعراب النحاس بلفظه.
[60528]:(ويتوبوا ويؤمنوا فيقبلوا).
[60529]:انظر: جامع البيان 24/81.
[60530]:انظر: جامع البيان 24/81، والمحرر الوجيز 14/194، وجامع القرطبي 15/370، وتفسير ابن كثير 4/104.