الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ} (32)

قوله : ( مِنَ اَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الآية [ 34 ] .

قرأ الحسن : ( اَوْ فَسَادٍ ) بالنصب ، على معنى : أو تحمل فساداً ، ويجوز أن يكون مصدراً على معنى : أو أفسد فساداً( {[15733]} ) .

و[ قراءة ]( {[15734]} ) الجماعة بالخفض على معنى : أو بغير فساد في الأرض( {[15735]} ) .

ومعنى الآية : من أجل هذا القتل كتبنا –أي : [ حكمنا( {[15736]} ) ]- على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً ظلماً –لم تَقْتُل نفساً- أو قتلها بغير فساد كان منها في الأرض ، وفسادُها : إخافة السبل( {[15737]} ) .

وقوله : ( فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنَ اَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) .

قال ابن عباس : معناه من قتل نبياً وإماماً عدلاً فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أعان نبياً( {[15738]} ) أو إمامَ عدلٍ فنصره( {[15739]} ) من القتل ، فكأنما أحيا الناس جميعاً( {[15740]} ) . وقيل المعنى : من قتل نفساً بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها –أي : ترك قتلها مخافة الله- فكأنما أحيا الناس جميعاً( {[15741]} ) .

وقيل المعنى : فكأنما قتل الناس عند المقتول ، ومن استنقذ( {[15742]} ) نفساً من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعاً عند المستنقذ( {[15743]} ) .

وقيل : المعنى : أن صاحب القتل يَصْلى النار ، فهو بمنزلة من قتل الناس جميعاً ، ومَن سَلِم مِن قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعاً( {[15744]} ) .

وقال مجاهد : معناه أنه يصير إلى جهنم بقتل نفس كما يصير إليها بقتل جميع الناس( {[15745]} ) . وقيل : المعنى ( أنّ )( {[15746]} ) من قتل نفساً ، يجب عليه من القصاص والقَوْد كما يجب على من قتل الناس جميعاً ، قال ذلك ابن زيد عن أبيه( {[15747]} ) .

وقيل : معنى ( مَنَ اَحْيَاهَا ) : مَن عفا عمن يجب عليه( {[15748]} ) القصاص( {[15749]} ) ، فهو مثل من عفا عن جميع الناس لو وجب ( له عليهم( {[15750]} ) قصاص )( {[15751]} ) .

قال ابن زيد أيضاً : ( مَنَ اَحْيَاهَا ) : من عفا عنها ، أعطاه الله من الأجر مثل لو عفا عن الناس جميعاً( {[15752]} ) . وعن مجاهد : من أحياها من غرق أو حرق أو هلكة( {[15753]} ) . قال الحسن : وأعظم إحيائها : إحياؤها( {[15754]} ) من كفرها وضلالتها( {[15755]} ) .

وقيل : المعنى يُعذَّب –كما يعذب قاتل الناس جميعاً( {[15756]} )- من قتل نفساً( {[15757]} ) ، ويُؤجَر( {[15758]} ) من أحيا نفساً –أي : استنقذها( {[15759]} )- كما يؤجر من أحيا الناس( {[15760]} ) جميعاً .

وقيل : المعنى هو : الجرأة على الله والإقدام على خلافه( {[15761]} ) كمن قتل الناس جميعاً ، تشبيهاً لا تحقيقاً ، لأن عامل السيئة لا يجزي إلا بمثلها( {[15762]} ) .

وقوله/ ( فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ) هذا يُعْطَى من الأجر مثل( {[15763]} ) ما يعطى من أحيا الناس جميعاً ، لأن الحسنات تضاعف ولا تضاعَفُ السيئات( {[15764]} ) ، فهذه حقيقة والأول على التشبيه لا على الحقيقة .

قوله : ( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا )( {[15765]} ) الآية ؛ أي : جاءت بني إسرائيلَ الرسلُ بالحجج الواضحة البيّنة ، ( ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الاَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) أي : بعد مجيء الرسل بالآيات البينات( {[15766]} ) ( لَمُسْرِفُونَ ) أي : " لعاملون بمعاصي الله " ( {[15767]} ) .


[15733]:- انظر: إعراب النحاس 1/494 وفيه "عمل" في موضع "تحمل"، وقال ابن خالويه في مختصره 32 بعد ذكر قراءة الحسن: "كأن عطف مصدراً على مصدر: مَن قتل نفساً ظلماً أو فساداً"، وانظر: إعراب مكي 224، وإعراب ابن الأنباري 1/289، وإعراب العكبري 434.
[15734]:- أ ب: قراة.
[15735]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/164، ومعاني الزجاج 2/168، وإعراب مكي 224.
[15736]:- أ: أحكمنا.
[15737]:- انظر: تفسير الطبري 10/232.
[15738]:- بعدها علامة إلحاق –في "أ" فقط- لاستدراك الساقط، إلا أن الهامش مخروم.
[15739]:- ب ج د: بنصرة.
[15740]:- انظر: تفسير الطبري 10/232 و233، والمحرر 5/85.
[15741]:- هو قول ابن عباس أيضاً في تفسير الطبري 10/233.
[15742]:- ب: استقد.
[15743]:- هو قول السدي وأبي مالك وأبي صالح وابن عباس ومرة وعبد الله وناس من أصحاب رسول الله في تفسير الطبري 10/233 و234.
[15744]:- هو قول ابن عباس ومجاهد في تفسير الطبري 10/234 وما بعدها.
[15745]:- انظر: تفسيره 307، وتفسير الطبري 10/235.
[15746]:- ساقطة من ج.
[15747]:- انظر: المحرر 5/85.
[15748]:- ب ج د: له عليه.
[15749]:- د: القصص. وانظر: غريب ابن قتيبة 143.
[15750]:- مخرومة في أ.
[15751]:- هو قول ابن زيد والحسن في تفسير الطبري 10/237.
[15752]:- انظر: تفسير الطبري 10/237.
[15753]:- انظر: تفسير الطبري 10/238.
[15754]:- ب ج د: أن يحييها.
[15755]:- انظر: تفسير البحر 3/469 الذي قال بعده: "ودليله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً) الأنعام: 123.
[15756]:- ج د: النفس.
[15757]:- ب: نفسها.
[15758]:- مخرومة الأول في أ.
[15759]:- ب: استقدها.
[15760]:- انظر: غريب ابن قتيبة 143.
[15761]:- ب ج د: خالقه.
[15762]:- انظر: المحرر 5/86، ونقله عنه في تفسير البحر 3/468، وانظر: روح المعاني 6/118.
[15763]:- مشطب عليها –في أ- قبل "من أحيى"، والظاهر من الخرم أنها مستدركة في موضعها فوق السطر.
[15764]:- انظر: قول الحسن في الدر 3/65.
[15765]:- د: رسلنا بالبينات.
[15766]:- تفسير الطبري 10/242.
[15767]:- انظر: المصدر السابق.