الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

ثم قال : { والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } [ 3 ] أي : والكفارة على من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي ويريد الرجوع إلى الوطء تحرير رقبة من قبل أن يطأها ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين أي : متصلين من قبل أن يطأها ، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا .

وقوله : { ثم يعودون لما قالوا } معناه : ثم يرجعون في تحريم ما حرموا على أنفسهم فيجعلونه حلالا وذلك الوطء{[67548]} .

قال قتادة : يريد أن يغشى بعد قوله{[67549]} .

وقال أهل الظاهر معناه : يعود للفظ مرة أخرى ، فلا تلزمه الكفارة عندهم حتى يقول لها مرة أخرى أنت{[67550]} علي كظهر أمي . ولا يلزمه شيء من قوله ذلك لها مرة واحدة{[67551]} .

وقيل المعنى والذين كانوا يظاهرون من نسائهم في الجاهلية ثم يعودون في الإسلام إلى مثل ذلك القول ، فعلى من فعل ذلك في الإسلام تحرير رقبة من قبل أن يتماسا{[67552]} .

وقيل معناه : ثم يصيرون لما كانوا يقولون في الجاهلية{[67553]} .

وقيل معناه : ثم يعزمون على إمساك النساء بعد المظاهرة{[67554]} .

وقيل معناه : أن يقيم مدة لا يطلق ثم يعود إلى فعل ما ترك فيخالفه .

وقال طاوس{[67555]} لما قالوا : للوطء{[67556]} .

وقال الأخفش سعيد : في الكلام تقديم وتأخير وتقديره{[67557]} : والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا من قبل أن يتماسا ، والمعنى يصيرون{[67558]} إلى ما كانوا عليه من الجماع ، فعليهم تحرير رقبة من أجل قولهم{[67559]} .

وقال الزجاج معناه ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا{[67560]} .

وقال الفراء لما قالوا وإلى ما قالوا وفيما قالوا أي : يرجعون عن قولهم وتحريمهم نساءهم/ فيريدون الوطء{[67561]} .

وقال القتبي هو أن يعود لمثل{[67562]} ما كان يقال في الجاهلية{[67563]} ( ولا تجزيه في الكفارة ){[67564]} عند مالك إلا رقبة{[67565]} مسلمة ، ولا يجوز عنده عتق المدبر والمكاتب عن الظهار ، ولا عتق أم الولد ، فأما عتق الصبي فقد أجازه مالك عن الظهار إذا كان ذلك{[67566]} من قصر النفقة ، وعتق من يصلي ويصوم أحب إليه ، ولا يجزي عن الظهار عتق من يعتق على{[67567]} الإنسان إذا ملكه كالأب والابن والأم والجد والأخ ، فإن أعتق عن ظهاره ما في بطن أمه فولدته حيا ثم مات لم يجزه عند مالك ، ولا يجزي عند مالك عتق الأعمى ولا المقعد ولا المقطوع اليدين ولا أشملهما أو الرجلين ، والمقطوع أحدهما ، ولا الأعرج الشديد العرج ، ولا الأخرس ، ولا المجنون المطبق ، ولا الذي يجن ويفيق ، ولا عتق من أعتقه قبل ذلك إلى مدة ، ولا عتق من اشتري بشرط أن يعتق على الرقاب الواجبة ، ولا يجزي عتق الأصم ولا المقطوع الإبهام ، ولا المقطوع الأذنين ، ولا المفلوج الشق ، ولا المقطوع الأصبع الواحدة فأكثر ، ولا الأجذم ، ولا الأبرص ، ولا عتق/ كل من فيه عيب يضر به وينقص من ثمنه نقصا فاحشا ، ويجزئ عتق الأعور{[67568]} .

وقوله { من قبل أن يتماسا } أي : فعليه الكفارة من قبل أن يطأها ، ولا يحل له وطئها إذا ظاهر منها حتى يكفر عن ظهاره ، وإذا علق ظهاره بشرط لم يلزمه الظهار{[67569]} إلا مع فعل ذلك الشرط ، وذلك أن يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي إن دخلت دار فلان ، فهو مظاهر حتى تدخل تلك الدار ، فإذا دخلت لزمه الظهار ، ولا طلاق في الظهار ، ولم ير أحسن بأسا أن يقبل ويغش{[67570]} فيما دون الفرج قبل الكفارة{[67571]} . وقاله الثوري ، ومنع مالك من ذلك ، ومنعه من النظر إلى شعرها قبل الكفارة{[67572]} .

وقوله { دالكم توعظون به } أي : أوجب عليكم{[67573]} ، ربكم من الكفارة عظة لكم ، لتنتهوا عن الظهار وقول الزور . { والله بما تعملون خبير } أي : ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه منها شيء ، فانتهوا عن قول الزور .


[67548]:ح: "الوطىء".
[67549]:انظر: جامع البيان 28/7.
[67550]:ح: "وأنت".
[67551]:انظر: بداية المجتهد 2/106.
[67552]:انظر: تفسير القرطبي 17/282.
[67553]:انظر: بداية المجتهد 2/106.
[67554]:وهو قول الشافعي في بداية المجتهد 2/106.
[67555]:طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء، أبو عبد الرحمن، من أكابر التابعين فقها في الدين ورواية للحديث وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك، أكثر روايته عن ابن عباس، وروى عنه من أكابر التابعين مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وأبو الزبير ومحمد ابن المنكدر، والزهري ووهب بن منبه وآخرون (ت 106 هـ). انظر: حلية الأولياء 4/3، وصفة الصفوة 2/284، ووفيات الأعيان 2/69، وتهذيب التهذيب 5/8.
[67556]:انظر: بداية المجتهد 2/106، والدر المنثور 8/75.
[67557]:ع: "التقدير".
[67558]:ع : "ثم يصيرون".
[67559]:انظر: إعراب النحاس 4/373.
[67560]:انظر: معاني الزجاج 5/135، وتفسير القرطبي 17/182.
[67561]:انظر: إعراب النحاس 4/373، والبحر المحيط 8/233. جاء في معاني الفراء 3/139، "يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا وفيما قالوا يريد: يرجعون عما قالوا وقد يجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، يريد أن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أن يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك".
[67562]:ع: "إلى".
[67563]:انظر: إعراب النحاس 4/373، والبحر المحيط 8/233.
[67564]:ع: "ولا تجزي الكفار": وهو تحريف.
[67565]:ع: "برقبة".
[67566]:ساقط من ع.
[67567]:ع: "عن".
[67568]:راجع: المدونة الكبرى 2/313، والكافي في فقه أهل المدينة المالكي 284، وبداية المجتهد 2/112، وأحكام ابن العربي 4/1755، والفقه على المذاهب الأربعة 4/512.
[67569]:ح : "من الظهار".
[67570]:ح: "ويغشا".
[67571]:انظر: جامع البيان 8/28، وتفسير القرطبي 17/283.
[67572]:انظر: جامع البيان والتحصيل 5/176 -177 وبداية المجتهد 2/109، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/178. والمدونة 2/298، والكافي 284.
[67573]:ع: "أي هذا الذي وجب عليكم".