تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (116)

وقوله تعالى : ( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ظاهر هذا يخرج على المعاتبة والتنبيه /247-ب/ والتذكير لأنه يقول : ( فلولا كان من القرون ) أي لم لا يكون[ في الأصل وم : يكونوا ] كذا ؟ فليس ثم من أولئك من يعاتب أو ينبه . لكنها تخرج على وجهين :

أحدهما : ( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ ) أي فهلا كانوا ذوي بقية ( ينهون عن الفساد في الأرض ) معناه ، والله أعلم ، هلا كثر أهل الإسلام فيهم حتى يقدروا على النهي عن الفساد في الأرض ؛ لأنهم إذا كانوا قليلا لم يقدروا على النهي على الفساد ، نحو لوط وأهله ، وكانوا عددا قليلا ، كيف كان يقدر على النهي عن الفساد أو المنع عن ذلك ؟ وكنوح أيضا كان معه [ نفر قليل ][ في الأصل وم : يقل ] عددهم ، لم يقدر على منع قومه من الفساد ، ونحوه .

فإذا كان فكأنه ، والله أعلم ، يقول : هلا كثر أهل الإسلام ( أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض ) ؟

والثاني : ( فلولا كان من القرون من قبلكم ) أي قد كان منهم أولو بقية ، لكنهم لم ينهوا عن الفساد في الأرض ، فأهلكوا جميعا ( إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) وذلك القليل قد نهوا عن الفساد في الأرض ؛ فيجوز بين أولئك حاصل هذا [ القليل ][ ساقطة من الأصل وم ] يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما :

[ أحدهما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ( أولوا بقية ينهون عن الفساد ) على ما قاله أهل التأويل .

والثاني : كان فيهم أولو بقية ، لكنهم لم ينهوهم عن الفساد في الأرض إلا قليلا منهم فإنهم قد نهوهم عن ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) هو يخرج [ على وجهين :

أحدهما ][ في م : وجهين ، ساقطة من الأصل ] : يحتمل ( واتبع ) الأتباع والسفلة الذين ظلموا من أترفوا فيه من الأموال ؛ أي [ وسعوا عليهم ][ في الأصل وم : وسع إليهم ] وأعطوهم الأموال ، وهم الأجلة والأئمة منهم ؛ أي آثروا اتباع الأئمة والأجلة الذين أترفوا فيه على اتباع الرسل والأنبياء .

والثاني : ( واتبع الذين ظلموا ) وهم الأجلة والأئمة ( ما أترفوا فيه ) أي أعطوا من الأموال ، آثروا الدنيا وما فيها على اتباع الرسل والأنبياء .

على أحد التأويلين يرجع إلى السفلة والأتباع ، وهو الأول . والثاني إلى الأجلة والأئمة ، وهم آثروا اتباع الدنيا على اتباع الرسل ، ثم تبعن الأتباع والسفلة في ذلك ، والله أعلم .