تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

الآية13 : وقوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } اختلف في قوله : { طائره } قال بعضهم : طائره شقاوته وسعادته ورزقه وعيشه . وقال بعضهم : عمله الذي عمل من خير أو شر . وقال بعضهم : حظه ونصيبه من عمله ، وهو جزاؤه ، ونحو ذلك ، ( ذلك ) {[10707]} كله يرجع إلى معنى واحد ، لأنه إنما يسمع ( الإنسان ) {[10708]} ويشقى بعمله الذي يعمله وكذلك بجزاء {[10709]} عمله .

و لذلك قال الحسن في تأويل قوله : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا }( المؤمنون : 106 )أي بأعمالنا التي عملناها ، ثم تخرج تسمية العمل وما ذكروا طائرا لوجهين :

أحدهما : على وجه التفاؤل والطيرة ؛ كانوا يتفاءلون ، ويتطيرون بأشياء : بالطائر وغيره ، ويقولون : جرى له الطائر بكذا من الخير ، وجرى له بكذا من الشر على طريق الفأل والطيرة ، فخاطبهم على ما يستعملون ، وأخبر أن ذلك يلزم أعناقهم ، وهو ما قال الله تعالى : { يطيروا بموسى ومن معه }( الأعراف : 131 ) وقوله {[10710]} { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه }( الأعراف : 131 )وقوله أيضا : { قالوا أطيرنا بك وبمن معك }الآية { النمل : 47 )ونحوه .

والثاني : سمى الأعمال التي عملوها طائرا لما أن الذي يتولد منه تلك الأعمال كالطائر ، وهو الهمة ؛ أولا : يخطر ( ببال الإنسان شيء ، وفي ){[10711]} الإخطار لا صنع له فيه ، ثم يهتم ، ثم تبعث الهمة على الإرادة ، ثم الإرادة ، تبعث على الطلب والعمل ، فالهمة التي في النفس التي تتولد منها الأعمال كالطائر ، فسماه باسمه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { في عنقه } يحتمل ( وجهين :

أحَدُهما ){[10712]} : أن يكون العنق كناية عن النفس أي ألزمناه نفسه . وذلك جائز ؛ يقال : هذا لك علي ، وفي عنقي .

والثاني : /297-ب/ ( أن يكون ) {[10713]} ذكر العنق كما يقول الرجل لآخر إذا أراد التخلص ( من ){[10714]}عمل : قَلَّدتُك هذا العمل ، وجعلته في عنقك ، أي تكون أنت المأخوذ به إثما إن كان في ذلك شر ، وأنت المأجور به المثاب إن كان فيه خير . والمعنى في قوله : { وكل إنسان ألزمته طائره في عنقه } أي لا يؤخذ عيره بعمله وشقاوته ، ولكن هو مأخوذ به ، وهو ما قال : { من اهتدى فإنما يهدي لنفسه }( الإسراء : 15و . . )وقوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى }( الإسراء : 15و . . )هذه الآيات الثلاث ، معناها واحد ، وهو ما ذكرنا : ألا يؤخذ غيره بعمله{[10715]} ، ولا تحمل نفس خطيئة أخرى ولا وزرها ، ولكن كل نفس ، هي تحمل خطيئة نفسها .

وقوله تعالى : { ويخرج له يوم القيامة كتابا منشورا } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أي يجعل ما ألزم عنقه { كتابا يلقاه منشورا } .

والثاني : أي يجعله ما ألزم عنقه { كتابا } .


[10707]:في م: فذلك، ساقطة من الأصل.
[10708]:ساقطة من الأصل و.م.
[10709]:الباء ساقطة من الأصل و.م.
[10710]:في الأصل و.م: وكقوله.
[10711]:في الأصل و.م: بباله شيئا ففي.
[10712]:ساقطة من الأصل و.م.
[10713]:ساقطة من الأصل و.م.
[10714]:ساقطة من الأصل و.م.
[10715]:في الأصل و.م: بعمل آخر.