تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا} (16)

الآية16 : وقوله تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } بالتخفيف ، والتثقيل واحد{[10731]} ، ثم ( من ){[10732]} قرأ بالتثقيل ( فإنه ){[10733]} يحتمل وجهين :

أحدهما : أمرنا مترفيها من الإمارة والتسليط عليهم أي أمرنا عليهم ، وسلطنا مترفيها ، أي أكثرنا عددهم ، وسلطنا مترفيها : فساقها ومستكبريها .

والثاني : أمرنا مترفيها أي أكثرنا عددهم ومنعميهم يذكر هذا لقولهم : { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة } الآية( الزخرف : 23 ) : { نحن أكثر أموالا وأولادا } الآية( سبإ : 36 ) كانوا يزعمون أنهم لا يعذبون لأنهم قد أنعموا في هذه الدنيا بكثرة{[10734]} أموالهم وأولادهم ، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه ما أهلك من الأمم الخالية إلا بعد ما كثر عددهم ، ووسع عليهم الدنيا ، لم يهلكهم{[10735]} في حال القلة والضيق كقوله : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا }( الأعراف : 95 ) أي أكثروا ، وقوله : { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }( الأنعام : 44 )لم يأخذ بالعذاب الأمم الخالية إلا في حال كثرتهم وأمنهم وعزتهم بالسعة . يحذر هؤلاء لئلا يغتروا بكثرة أموالهم وأولادهم وعددهم .

ومن قرأ{[10736]} : { وأمرنا مترفيها } بالتخفيف فهو بالأمر ، أي أمرنا عظماءهم وكبراءهم طاعة الرسل{[10737]} والإجابة إلى ما دعوهم{[10738]} إليه/298-أ/حتى إذا عصوا رسله ، وتركوا إجابتهم على العناد والمكابرة ، فعند ذلك يهلكهم {[10739]} لما ذكرنا أنه لم يستأصل الأمم الخالية إلا بعد عنادهم في آيات الله ومكابرتهم في دفعها وتكذيبها ، لا يهلكهم في أول ما كذبوا آيات الله وخالفوا رسله .

وقوله تعالى : { مترفيها } قال بعضهم : المترف المنعم ، وقال بعضهم : المترف المكرم والمستكبر ، وكله واحد .

وفي قوله تعالى{ وإذا أردنا أن نهلك قرية } دلالة أن الإرادة غير المراد ، لأنه أخبر بتقدم الإرادة عن وقت الهلاك . دل أنها غيره . وفيه أنه أراد السبب الذي به يهلكهم{[10740]} ، وهو التكذيب والعناد ، لما علم منهم أنهم يختارون ذلك ؛ إذ لا يحتمل أن يريد هلاكهم ، وهو يعلم منهم سبب الهلاك . فهذا يرد قول المعتزلة : إن الإرادة ، هي المراد ، وإنه لم يرد ما كان منهم من سبب الهلاك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فحق عليه القول } بما أراد إهلاكهم ؛ وجب عليهم . أو يكون قوله : { فحق عليهم القول } بما أخبر عن الأمم الخالية ، وهو قوله : { سنة الله في الذين خلوا من قبل } الآية( الأحزاب : 38و62 ) .

وقوله تعالى : { فدمرناها تدميرا } أي أهلكناها إهلاكا .


[10731]:في الأصل و.م، أمرنا مترفيها.
[10732]:من م، ساقطة من الأصل، انظر معجم القراءات القرآنية ح3/313.
[10733]:ساقطة من الأصل و.م.
[10734]:في الأصل و.م: وأكثروا.
[10735]:في الأصل و.م: يهلكوا.
[10736]:في الأصل و.م: قال.
[10737]:من و، في الأصل: الرسول.
[10738]:في الأصل و.م: دعاهم.
[10739]:في الأصل و.م: يهلكون.
[10740]:في الأصل و.م: يهلكون.