تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

الآية11 : وقوله تعالى : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } قال بعضهم : إذا غضب الإنسان يدعو على نفسه وولده وأهله ، ويلعن عليهم بالخير ؛ لذلك انتصب قوله{ دعاءه } .

وقال الحسن : إن الإنسان يتضايق صدره وقلبه بأدنى شيء ، يكره ، فيلعن على نفسه وأهله ، فلا يجيبه الله ، ثم يدعو بالخير ، فيعطيه ، أو نحوه من الكلام .

وقوله تعالى : { ويدع الإنسان دعاءه بالخير } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير }على العلم منه بذلك كدعائه بالخير على العلم منه ذلك .

والثاني : { ويدعوا الإنسان بالشر } لو أجيب فيه على الجهل منه و الغفلة كدعائه بالخير لو أجيب في ذلك .

ثم إن كان ذلك الإنسان هو الكافر ، فهو يدعو على الاستهزاء كقوله : { فأمطر علينا حجارة من السماء } الآية ( الأنفال : 32 )وكذلك قوله : { سأل سائل بعذاب واقع }( المعارج : 1 )ونحوه .

وإن كان مسلما فهو يدعو بالشر على نفسه وأهله عند الغضب على علم منه أنه ( منه ){[10680]} ويدعو أيضا بالشر على السهو والغفلة منه نحو ما يسأل الأموال والنكاح ، ولعل ذلك شر له .

وقوله تعالى : { وكان الإنسان عجولا } قال بعضهم : هذا لآدم لأنه لما خلقه الله ، فنفخ الروح في بعض جسده ، همََّ أن يقوم ، فسماه عجولا . لكن كل الإنسان خلق في الطبع من الأصل عجولا . ألا ترى أنه لا يصبر على أمر واحد ولا على شيء واحد ، وإن كان نعمة لم يصبر عليها ، ولكن يمل عنها ، وكذلك في أدنى شدة وبلاء إذ بلي به ، لم يصبر/297-أ/عليها . فأبدا يريد الانتقال من حال إلى حال ؟

ألا ترى أن قوم موسى قد أكرمهم الله بكرامات من إنزال المن والسلوى عليهم من غير كد ولا جهد ولا مؤنة وكذلك اللباس ، ثم لم يصبروا على طعام واحد ، فسألوا ربهم الثوم والبصل ونحوه ، على طبع الإنسان ملولا عجولا ؟

ألا ترى أن الله مكن في باطنه ، وجعل في ( وسعه رياضة ){[10681]} نفسه ، وصرفها إلى أحد الوجهين الذي يحمد{[10682]} عليه ، ولا يذم ، وهو أن يروضها ويعودها على الصبر والحكمة{[10683]} و الوقار ، ويصرف تلك العجلة إلى الخيرات والطاعات التي يحمد{[10684]}عليها المرء بالعجلة ؟ وإلا ففي ظاهر الخلقة والطبع منشأ على العجلة وما ذكر .

ألا ترى أنه قال : { إن الإنسان خلق هلوعا } { وإذا مسه الشر جزوعا } { وإذا مسه الخير منوعا }( { إلا المصلين } ){[10685]} ( المعارج : 19-22 )وهو ما ذكرنا ، والله أعلم ؟ لكن بما امتحنه من الأمر والنهي والترغيب في الموعود والترهيب صيره بحيث يملك( إخراج نفسه ){[10686]}عما طبع ، وأنشئ إلى حال أخرى بالرياضة التي ذكرنا .

ألا ترى أنه ذكر الهلع والجزع ، ثم استثنى( { إلا المصلين } ){[10687]} ( المعارج : 22 ) وعلى ذلك خلق الله على همم مختلفة وأطور متشتتة ، لم يخلقهم جميعا في معاني الأمور ومعاظم الحرف وأرفع الأسماء ، بل طبعهم على أطباع مختلفة : فمنهم من يرغب في معالي الأمور والحرف ، ومنهم من كانت همته الرغبة في الدون من الأمور والحرف : في الحجامة والدباغة والحياكة ونحوهما ؛ وكذلك في الأسماء ، ومنهم بخلاف ذلك . ولو كانت همتهم همة واحدة لذهبت المنافع والمعارف جميعا ، والله أعلم .


[10680]:ساقطة من الأصل و.م.
[10681]:في الأصل: سعة رياضية، في م: رياضية.
[10682]:في الأصل وم: يجهد.
[10683]:في الأصل وم: الحكم
[10684]:من و،في الأصل: يحمل.
[10685]:في الأصل وم: إلا كذا.
[10686]:في الأصل وم: إخراجه.
[10687]:في الأصل وم: إلا كذا.