الآية15 : وقوله تعالى : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } أي من اهتدى إلى ما جعل الله عليه من أنواع النعم ، وقام بأداء شكرها ، فإنما فعل ذلك لنفسه ، لأنه هو المُنتفِع {[10717]} به ، أو يقول : من اختار الهدى ، وأجابه إلى ما دعاه مولاه { فإنما يهتدي لنفسه } أي فإنما اختار ذلك لنفسه ، لأنه هو المنتفع {[10718]} به ، وهو الساعي في فكاك رقبته .
وقوله تعالى : { ومن ضل } أي من ضل ، أي اختار الضلال { فإنما يضل عليها }أي فإنما يرجع عليها ضرره ، وهو ما ذكر : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها }( فصلت : 46 )وقوله : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها }( الإسراء : 7 ) .
وقوله تعالى { ومن ضل }عن ذلك { فإنما يضل عليها } أي إلى نفسه يرجع ضرر ضلاله على نفسه كقوله : { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه }( النمل : 40 ) .
وقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } هو ما ذكرنا ، أي لا تحمل نفس خطيئة أخرى ، ولا تأثم بوزر أخرى ( ذكر هذا والله أعلم ، لوجهين :
أحدهما ){[10719]} : أن أمر الآخرة خلاف أمر الدنيا لأن في الدنيا قد تؤخذ نفس مكان أخرى ، وتحمل{[10720]} نفس مؤنة أخرى ، وفي الآخرة لا تؤخذ نفس بدل أخرى .
والثاني : قد يتبرع بعض عن بعض بتحمل المؤنات والقيام في فكاكها ( في الدنيا ){[10721]} وأما في الآخرة فلا يتبرع بذلك .
وقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } يحتمل : ما كنا معذبين تعذيب استئصال في الدنيا إلا بعد دفع الشبه ورفعها عن الحجج من كل وجه وبعد تمامها ، وإن كانت الحجة قد لزمتهم بدون بعث {[10722]} الرسل ليدفع عنهم عذرهم من كل وجه .
ويحتمل{[10723]} أن يكون قوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } إفضالا منه ورحمة ، وإن كان العذاب قد يلزمهم والحجة قد قامت عليهم . والعذاب الذي كانوا يعذبونه {[10724]} في الدنيا ليس ، هو عذاب الكفر ، لأن عذاب الكفر دائم أبدا .
لا انقطاع له ، وهذا مما ينقطع ، وينفصل . لكن يعذبون بأشياء كانت منهم من العناد ودفع الآيات . وأما عذاب الكفر فهو في الآخرة أبدا ، لا ينقطع .
وفي الآية دلالة أن حجة التوحيد قد لزمتهم ، وقامت عليهم بالعقل حين{[10725]}قال : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلو لم تلزمهم لكان الرسل إذا دعوهم إلى ذلك يقولون{[10726]} : من أنتم ؟ ومن بعثكم إلينا ؟ فإذا لم يكن لهم الاحتجاج دل أن الحجة قامت عليهم .
لكن الله بفضله أراد أن يدفع الشبهة عنهم ، ويقطع عنهم عذرهم برسول يبعث إليهم لما أن أسباب العلم بالأمور ثلاثة : فمنها ما يعلم بظاهر الحواس بالبديهة ، ومنها ما يفهم بالتأمل والنظر ، ومنها ما لا يعلم إلا بالتعليم والتنبيه .
وقال القتبي : { ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }( الإسراء : 13 ) وهو ما ذكرنا أي{[10727]} نخرج بذلك العمل كتابا . وقال أبو عوسجة : أي نكتب ما عمل ، ثم نقلده{[10728]} في عنقه ، فنجيء به يوم القيامة .
وقال أبو عبيدة : طائره حظه . وقال غيره من المفسرين : ما عمل من خير أو شر ألزمناه في عنقه .
وقال القتبي : وهذان المعنيان يحتاجان إلى بيان ، والمعنى في ما أرى ، والله أعلم : أن لكل امرئ حظا من الخير والشر ، وقد قضاه الله ، فهو لازم عنقه ، والعرب تقول : إن كل ما لزم الإنسان قد لزم عنقه ، وهو لازم ، طائر ( في ){[10729]}عنقه ، وهذا لك علي ، وفي عنقي ، حتى أخرج منه . وإنما قيل للحظ من الخير والشر : طائر لقول العرب ما ذكرنا : جرى له الطائر بكذا من الخير ، وجرى له الطائر على وجه الفأل والطيرة على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا ، وهو ما ذكر .
وقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسلا } التعذيب يكون على وجوه ثلاثة :
أحدها{[10730]} : يعذبهم في الدنيا ابتداءا بتعذيب امتحانا وابتلاء بجريمة كانت منهم كقوله : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }( الأنبياء : 35 ) وقوله : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات }( الأعراف : 168 ) ونحوه ، فيكون تنبيها وتذكيرا لهم لا تكفيرا .
والثاني : يعذب تعذيب العناد والمكابرة ، وهو تعذيب إهلاك واستئصال ؛ فهو عقوبة لهم موعظة للمتقين وعبرة لغيرهم ، وهم الذي يأتي على إثر وعيد .
والثالث : عذاب الموعود في الآخرة يقول : { وما كنا معذبين } في الآخرة { حتى نبعث رسولا } في الدنيا .
والأشبه أن يكون ما ذكر من التعذيب ، وهو تعذيب استئصال ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.