تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّـٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (177)

الآية 177 وقوله تعالى : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) ؛ قيل : ( ليس البر ) في نفس التوجه إلى ما ذكر دون الإيمان ، [ ويحتمل : ( ليس البر ) في ذلك ( ولكن البر ) لما يقصد إليه أن قد يقع ]{[2003]} ذلك لحوائج تعرض ؛ تخرج عن القربة ، ويحتمل : ( ليس البر ) في التوجه إلى كذا ، ولكن في الائتمار لأمره والطاعة له ، والبر هو الطاعة في الحقيقة . وقيل ( ليس البر ) تحويل الوجه إلى المشرق والمغرب ، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله ، وصدقته{[2004]} الجوارح ، وقيل : ( ليس البر ) أن تصلوا ، ولا أن تعملوا غير الصلاة ، كل ذلك يرجع إلى واحد . وجملته [ بوجهين : أحدهما ]{[2005]} : أن يقال : ( ليس البر ) كله ذلك ، لكن ما ذكر ؛ إذ ذلك الوجه استعظموه{[2006]} ، حتى قال الله تعالى : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) [ البقرة : 145 ] .

والثاني ( أن يكون ذلك بنفسه ليس برا ، وإنما صار برا بالأمر به أو بما ذكر من الإيمان والخيرات ، فما{[2007]} زال عنه الوجهان سقط فعله{[2008]} أن يكون برا .

وقوله : ( ولكن البر من آمن بالله ) بأنه واحد لا شريك له ؛ يعني صدق بالله ، وبأنه{[2009]} واحد لا شريك له ، ( واليوم الآخر ) : وصدق بالبعث الذي [ فيه ]{[2010]} جزاء الأعمال ، وصدق بالكتب والملائكة والنبيين .

وللبر{[2011]} تأويلان : أحدهما : ما قيل ، والثاني على الإضمار ؛ كأنه قال : ليس البر بر [ من يولي وجهه ، ولكن البر بر ]{[2012]} من آمن بالله ، كما قال : ( أجعلتم سقاية الحاج ) [ التوبة : 19 ] كإيمان من آمن بالله ؟ وقيل : ( أجعلتم ) صاحب السقاية{[2013]} ( كمن آمن بالله ) [ التوبة : 19 ] ، وقيل : إن البر بمعنى البار من يحور وجهه /25-ب/ قبل كذا ، ولكن البار ( كمن آمن بالله ) [ الآية ]{[2014]} .

وقوله : ( وآتى المال على حبه ) ؛ قيل : أعطى على حاجته ، وقيل : على قلته ، آثر غيره على نفسه كقوله : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [ الحشر : 9 ] وقيل : ( ذوي القربي ) أي ذوي قرابته .

وفيه دلالة أن الأفضل أن يبدأ بالصلة قرابته ثم ( واليتامى ) لأن على جميع المسلمين حفظهم ولأنهم أضعف ، فيبدأ بهم قبل ( والمسكين ) . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس المسكين الذي يرده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، قيل : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يجد ما يغنيه ، ولا يسأل الناس ، ولا يفطن{[2015]} به فيتصدق عليه " [ البخاري : 1479 ] .

[ وقوله ]{[2016]} : ( وابن السبيل ) ؛ قيل : هو الضيف ينزل [ بالمسلمين ]{[2017]} ، وقيل : هو المنقطع : [ حاجا أو غازيا ]{[2018]} ، وهو المجتاز ، وهو واحد . ( وفي الرقاب ) ؛ قيل : هم المكاتبون . ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) ظاهر . ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) ؛ [ يحتمل : العهود التي بينهم و بين الناس ]{[2019]} ، ويحتمل : العهود التي بينهم وبين ربهم ، وقد ذكرنا العهد من الله تعالى ما هو ؟ فيما مضى{[2020]} . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه والموفين على النسق على الأول . قيل : إذا عاهدت عهدا بلسانك ففئ{[2021]} به بعملك وفعلك . ثم ليس في القرآن آية أجمع لشرائط الإيمان من هذه ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه سئل عن الإيمان ، فقرأ هذه الآية " [ السيوطي في الدر المنثور : 1/411 ] ، وهكذا روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن الإيمان ، فتلا هذه الآية .

وقوله : ( والصابرين في البأساء والضراء ) ؛ قيل : في الآية تقديم وتأخير : السائلين وفي الرقاب والصابرين . وعلى هذا يخرج حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( والموفون بعهدهم ) .

وقوله : ( البأساء ) من البأس ، وهو الفقر ، ( والضراء ) ؛ قيل : هو المرض [ والسقم ]{[2022]} ، ( وحين البأس ) قيل : عند القتال .

وقوله : ( أولئك الذين صدقوا ) في إيمانهم [ أنهم مؤمنون ]{[2023]} ، وصبروا على طاعة ربهم .

[ وقوله : ( وأولئك هم المتقون ) ؛ قيل ]{[2024]} : الذين صدقوا في إيمانهم ( وأولئك هم المتقون ) ؛ روي عن عمرو بن شرحبيل أنه قال : ( من عمل بهذه الآية فهو مستكمل الإيمان ) ، قال الفقيه أبو منصور : ( تمام كل شيء باجتماع ما يزينه ، ألا ترى أن المصلي إذ اقتصر على فرائضها لم يتم له ) ؟ .


[2003]:- في ط ع: وقوله: (ليس البر... والمغرب ولكن).
[2004]:- في ط ع: وصدقه.
[2005]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[2006]:- في النسخ الثلاث: اسقطوهم.
[2007]:- في النسخ الثلاث: فلا.
[2008]:- من ط ع و م، في الأصل: قيله.
[2009]:- في ط م و ط ع: بأنه.
[2010]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[2011]:- من ط ع، في الأصل و م: البر.
[2012]:- من ط ع و م، ساقطة من الأصل.
[2013]:- من ط ع و م، في الأصل: الشفاعة.
[2014]:- من ط ع و م، ساقطة من الأصل.
[2015]:من ط ع، في الأصل و م: يعطي
[2016]:- من ط ع.
[2017]:- من ط ع.
[2018]:- في النسخ الثلاث: حاج أو غاز.
[2019]:- من ط ع و م، ساقطة من الأصل.
[2020]:- كان ذلك في تفسير الآية: 27.
[2021]:- في النسخ الثلاث: تفيء.
[2022]:- من ط ع.
[2023]:- من ط ع و م، ساقطة من الأصل.
[2024]:- في الأصل و م: (وأولئك هم المتقون) وقيل، في ط ع: وقوله (وأولئك هم المتقون) وقيل.