تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء ( عليهم السلام ) كلها مكية

الآية1 : وقوله تعالى : { اقترب للناس حسابهم } قال الحسن : أي محاسبتهم .

وقوله تعالى{ وهم في غفلة معرضون } ظاهر هذا أنه نزل في المشركين لأنها نزلت بمكة ، وكان أكثر أهلها أهل شرك . لكن لأهل الإسلام في ذلك [ حظ وشرك في ما وصفهم بالغفلة عن ذلك ]{[12530]} والإعراض عنه .

وأهل الإسلام قد يغفلون عن الحساب ، إلا أن غفلة أهل الكفر غفلة تكذيب ، وإعراضهم تكذيب بالحساب والآيات التي أنزلها عليهم . وغفلة أهل الإسلام ليست كذا ، قد آمنوا بالحساب ، وصدقوا بآياته ، وعرفوها ، لكنهم غفلوا عن الحساب لشهوات مكنت فيهم ، وغلبت شهواتهم ، وأغفلتهم عنه [ فهم من ] {[12531]} هذه الجهة كأولئك . فأما من جهة الإيمان به والتصديق بالآيات فليسوا كأولئك .

ثم وصف الحساب والساعة بالقرب والدنو والإتيان كقوله : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] وقوله : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] وقوله{[12532]} : { اقترب للناس حسابهم } وأمثاله . هي قريبة كالمأتية عند الله تعالى عرف جملة الأوقات ، فهي في جملة ما عرف قريبة كالمأتية .

و أما الخلق [ فإنهم قد استعبدوها لأنهم ] {[12533]} إنما يقدرون ذلك بآجالهم وأعمارهم ، وما جاوز أعمارهم فهو عندهم بعيد ليس بقريب . وهذا إنما يكون بعد ذهاب أعمارهم .

وقال قتادة : ذكر أنه لما نزلت هذه الآية { اقترب للناس حسابهم } والآية{[12534]} : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } [ النحل : 1 ] قال ناس من أهل الضلال : يزعم هذا الرجل أن الساعة قد اقتربت ، فتناهوا قليلا ، ثم عادوا إلى أعمالهم{[12535]} . وكذلك قالوا في قوله : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] تناهوا عنها . ثم لما تأخر ذلك عنهم عادوا إلى ما كانوا من قبل . هذا لأنهم فهموا من قرب الساعة وإتيان أمره وقتا يقرب ، ومدة تدنو . فلما مضى ذلك وقع عندهم أن الخبر كذب ، فكذبوه لأنهم إنما قدروه بآجالهم وما عرفوا هم من القرب والدنو .

وقوله تعالى : { وهم في غفلة معرضون } ما ذكرنا من غفلة تكذيب وإعراض تكذيب بعدما عرفوا أنها آيات الله ، والله أعلم .


[12530]:من م، ساقطة من الأصل.
[12531]:في الأصل و م: فمن.
[12532]:في الأصل و م: و.
[12533]:من م، ساقطة من الأصل.
[12534]:في الأصل و م: و.
[12535]:في الأصل و م: أعمارهم.