تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

الآية 55 : وقوله تعالى : ]وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم[ قال بعضهم : " مكث رسول الله بمكة سنين من بعد ما أوحي إليه خائفا هو وأصحابه ، يدعون الناس على الله سرا وعلانية ، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة ، فكانوا بها خائفين ؛ يصبحون في السلاح ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تلبثوا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملإ محتبيا{[14186]} ليس عليه{[14187]} حديدة " ( السيوطي في الدر المنثور : 6/215 ) فأنزل الله هذه الآية على إثر ما ذكر .

وقال بعضهم : لما ضد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الحديبية وعد الله المسلمين أن يظهرهم وأن يفتح لهم مكة ، وقالوا{[14188]} : وتصديق ذلك ما ذكر في سورة الفتح ، وهو قوله : ]هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام[ الآية ( الفتح : 25 ) ( وقوله ){[14189]} في آخر ذلك : ]هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين[ الآية ( الفتح : 28 ) .

وعد رسوله في القرآن أنه يستخلفهم في الأرض ، وينزلهم{[14190]} فيها كما استخلف الذين من قبلهم فجعلهم خلفاء في الأرض .

( وقال قائلون ){[14191]} : كان وعده إياهم في التوراة والإنجيل والزبور أنه يجعلهم خلفاء في الأرض كما فعل بالذين من قبلهم .

ولكن كيفما كان ذلك الوعد لهم في القرآن أو في الكتب المتقدمة ففيه أمران اثنان :

أحدهما : البشارة للمسلمين .

( والثاني ){[14192]} : الحجة على الكافرين ؛ لأنه وعد لهم الأمن{[14193]} في النصر في وقت ، لا يرجون ، ولا يطمعون النجاة فضلا أن يطمعوا الاستخلاف والتمكن في الأرض وإظهار الدين الذي ارتضى لهم ، وهو الإسلام على الأديان كلها .

فإذا كان مثل ذلك الوعد والبشارة ، لا يطمع ، ولا يرجى ، في مثل ذلك الوقت والخوف علم أنه إنما بشرهم بذلك بوحي من الله ووعد منه ، فكان ما وعد .

دل أنه بالله وعد ذلك ، وبشر . فذلك حجة على أولئك ، وبشارة للمؤمنين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون[ قوله ]ومن كفر بعد ذلك[ ليس بشرط لأنه لو كفر قبل ذلك أيضا فهو فاسق .

ثم من الناس من قال : ]ومن كفر بعد[ هذه النعم التي أنعمها عليهم ، ولم يشكره عليها فهو كذا .

وجائز أن يكون قوله : ]ومن كفر بعد ذلك[ وليس له جواب .


[14186]:في الأصل وم: مختبئا.
[14187]:في الأصل: عليهم، في م: فيهم.
[14188]:في الأصل وم: وقال.
[14189]:في الأصل وم: حتى قال.
[14190]:في الأصل وم: وينزل.
[14191]:من م، في الأصل: وينزلون فيها.
[14192]:في الأصل وم: و.
[14193]:من م، في الأصل :إلا.