[ الآية 87 ] وقوله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض } اختلف في النفخ ؛ ما هو ؟ وفي عدده . واختلف في الصور أيضا ؛ ما هو ؟ وكيف هو ؟
أما الاختلاف في النفخ : فمنهم من يقول : ليس على حقيقة النفخ ، ولكن إخبار عن خفة قيام القيامة على الله . أخبر بالنفخ عنها لأنه أخف شيء على الخلق وأهونه ، فأخبر به عنها ، وهو ما قال : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر } [ النحل : 77 ] شبه أمرها بلمح البصر لما ليس شيء أخف على المرء من لمح البصر . فعلى ذلك ذكر النفخ عند قيامها لخفته على الخلق .
ومنهم من يقول ذكر النفخ لسرعة نفاذ الساعة ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذا من النفخ ، وهو ما قال : { إلا صيحة } [ يس : 29 و . . . ] [ وقال ]{[15172]} { فأخذتهم الرجفة } [ الأعراف : 78 و . . . ] ذكر ذلك ، وشبهها بالصيحة والرجفة لسرعة نفاذها على ما ذكرنا ، وهو ما قال : { فنفخنا فيه من روحنا } [ التحريم : 12 ] ليس أن ينفخ فيه نفخا ، ولكن يجعله{[15173]} كأنه قال : وجعلنا فيه .
ومنهم من يقول على حقيقة النفخ . فإن كان على هذا فهو أن يمتحن الملك من غير أن تقع له الحاجة إلى ذلك نحو ما امتحن الكرام الكاتبين{[15174]} بكتابة أعمال الخلق وأفعالهم من غير وقوع الحاجة إليه{[15175]} امتحانا منه ملائكته بذلك . أو أن يكونوا أخذوا ، إذ هو عالم بما كان وبما يكون ، كيف يكون ؟ ومتى يكون ؟ وأي شيء يكون ؟
وأما اختلافهم في عدد النفخ ، [ فقد ]{[15176]} قال قائل : إنه واحد ، يحتج بقوله : { إلا صيحة واحدة } [ يس : 29 و . . . ] .
ومنهم من يقول بالنفختين ، يحتج بقوله : { يوم ترجف الراجفة } { تتبعها الرادفة } [ النازعات : 6 و7 ] أخبر أنه يردف الأولى غيرها ، ويحتج بقوله أيضا : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى } [ الزمر : 68 ] .
ومنهم من يقول بالنفخات الثلاث ؛ يقول : الأولى للفزع ، الثانية للصعق على ما ذكر{[15177]} في الآية ، والثالثة للإحياء . ومنهم من يقول بالثلاث إلا أنه [ يجعلها كلها ]{[15178]} بعد الموت : أحدها للفزع في القبور ، والثانية للإحياء فيها ، والثالثة للإخراج منها والنشر . ويقول هذا القائل بعذاب أهل القبر من النفخة الثانية إلى النفخة الثالثة . وعلى ذلك رويت أخبار في ذلك . فإن ثبتت فهو ذاك ، وإلا نقف فيه .
وأما اختلافهم في الصور [ فقد ]{[15179]} قال قائلون : ينفخ في الخلق ، والصور جمع صورة . قال الزجاج : لا يحتمل هذا لأن الصور على سكون{[15180]} الواو ، ليس هو إفراد الصورة ولا من جمعها ، لأن الفرد هو صورة بالهاء ، وجمع الصورة صور بتحريك الواو على ما ذكر في الآية : { فأحسن صوَركم } [ غافر : 64 ] .
ومنهم من يقول : هو قرن ينفخ فيه كقرن كذا ، أو بوق كبوق كذا . لكنا لا نفسر شيئا مما ذكر من النفخ والصور أنه كذا ، ولا نشير إلى شيء أنه ذا إلا إن ثبت شيء من التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال به ، وليس هو بشيء ، يوجب العمل به ، فنكلف صحته أو سقمه ، إنما هو شيء يجب التصديق به ، فنقول بالنفخ والصور على ما جاء ، ولا نفسره ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } كقوله{[15181]} في آية أخرى : { فصعق من في السماوات ومن في الأرض } [ الزمر : 68 ] إنما هو إخبار عن شدة هول ذلك اليوم كقوله : { وترى الناس سكارى } الآية [ الحج : 2 ] وكقوله : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } [ الحج : 2 ] ونحوه .
وقوله تعالى : { إلا من شاء الله } هم الشهداء في الأرض . وعلى ذلك روي في بعض الحديث أنه قال : ( ما أعطي آدمي بعد النبوة أفضل من الشهادة ) لا يسمع الشهيد الفزع يوم القيامة إلا كرجل قال لصاحبه : أتسمع ؟ قال : اسمع أذين الصلاة .
وقال بعضهم : هم جبرائيل وإسرافيل ملك الموت [ وغيرهما ]{[15182]} .
وقال بعضهم : هم الأنبياء والرسل . لكن لا نقول نحن : إن أهل الثنيا هم كذا ، ولا نشير إلى أحد ، لأنا لا نعلم ذلك إلا أن يثبت في ذلك خير عن رسول الله صلى الله علي وسلم فنقول به .
وجائز أن يكون الذين استثناهم هم{[15183]} الذين أخبر عنهم في آخر الآية أنهم يكونون آمنين من فزع ذلك اليوم وهوله ، وهو ما قال : { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم/ 394- أن فزع يومئذ آمنون } [ النمل : 89 ] .
وقوله تعالى : { وكل أتوه داخرين } قرئ بالمد آتوه وتطويله وضم{[15184]} التاء فيه على مثال فاعلوه ، جمع آت [ كقوله ]{[15185]} : { إلا آتي الرحمن عبدا } [ مريم : 93 ] وآتوه جمع آت ، وهو من سيأتون . وقرأ بعضهم : بقصر الألف ونصب التاء على الإتيان [ أي ]{[15186]} قد أتوه . وقوله تعالى : { داخرين } قيل : صاغرين ذليلين ؛ دخر أي ذل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.