تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

[ الآية 68 ] وقوله تعالى : { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخبرة } يقول ، والله أعلم : وربك يختار للرسالة من يشاء ، ويجتبيه لها ، فيجعلهم رسلا { ما كان لهم الخبرة } يقول : لم يكن لهم أن [ يختاروا ويصطفوا من يشاؤون ، ولكن الله ]{[15500]} يختار ، ويصطفي ، من يشاء ، رد لقولهم : { لولا نزل هذا القرآن } الآية [ الزخرف : 31 ] إلى هذا ذهب بعضهم .

وجائز أن يكون هذا في كل أمر ، أي وربك يختار ما يشاء ، ويأمر { ما كان لهم الخيرة } من أمره أي التخلص والنجاة من أمره كقوله : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [ الأحزاب : 36 ] والقضاء ههنا أمر ، لكنه يحتمل وجهين :

أحدهما : على الوقف [ في ]{[15501]} قوله : { وربك يخلق ما يشاء ويختار } والابتداء من قوله : { ما كان لهم الخيرة } من أمرهم . فإن كان على هذا فتكون ما ههنا : جحدا أي لم يكن لهم الخيرة من أمرهم .

والثاني : على الصلة ؛ ليس على الجحد ، فيكون تأويله : { وربك يخلق ما يشاء } { ويختار } الذي لهم الخيرة : أن يكون الوقف على هذا على قوله : { وربك يخلق ما يشاء } ثم يقول : { ويختار } الذي لهم الخيرة . قال أبو معاذ : قرئ : الخيرة بجزم الياء وبتحريكها : { الخيرة }{[15502]} .

ثم قوله : { وربك يخلق ما يشاء ويختار } على المعتزلة من وجهين :

أحدهما : ما أجمعوا أن الله قد شاء جميع ما يفعله العباد من الخيرات والطاعات . فإذا جاز ذلك دل أنه خلقها إذ أخبر أنه { يخلق ما يشاء } [ آل عمران : 47 و . . . ] وقد شاء الخيرات ، فدل ذلك على خلق أفعال العباد . لكنهم يقولون [ في ]{[15503]} قوله : { يخلق ما يشاء } إذا خلقه{[15504]} وكذلك يقولون في قوله : { إن الله على كل شيء قدير } [ البقرة : 20 و . . . ] إن خلقه{[15505]} أو كلام نحو هذا . فئن جاز لهم هذا من الزيادة جاز لكل أحد مثله . فذلك بعيد .

[ والثاني ]{[15506]} : على قولهم : أكثر الأشياء ليست بمخلوقة الله ، وهو على أكثر الأشياء غير قدير ، لأن أفعال الخلق ، لا شك أنها أكثر من أنفسهم . فأخبر أنه { على كل شيء قدير } وأنه { يخلق ما يشاء } وأن هذا خرج منه مخرج الامتداح له والثناء عليه بما له من السلطان والقدرة على الخلق كلهم .

فلو كان على ما يقول المعتزلة : لم يكن هذا مدحا له ولا ثناء بالسلطان والقدرة إذ هو على قولهم : على أكثر الأشياء ليس بقادر على ما ذكرنا .

ثم نزه نفسه ، وبرأها ، عما قالوا فيه ، وأشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته وفي عبادته ، فقال : { سبحان الله وتعالى عما يشركون } .


[15500]:- في م: يختاروا هم ولكن الله، ساقطة من الأصل.
[15501]:- ساقطة من الأصل وم.
[15502]:- انظر معجم القراءات القرآنية ج5/30 و31.
[15503]:- ساقطة من الأصل وم.
[15504]:- الضمير عود على خلق أفعال العباد.
[15505]:- الضمير عود على خلق أفعال العباد.
[15506]:- في الأصل وم: و.