الآية 34 وقوله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام } ذكر في بعض الأخبار عن ابن عمر رضي الله عنه [ أنه ]( {[16329]} ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ) [ البخاري 4627 ] وعد هذه الخمسة التي ذكرت في هذه الآية .
وكذلك روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ]( {[16330]} ) قال : ( خمس لا يعلمهن إلا الله : قوله : { إن الله عنده علم الساعة } إلى آخر الآية ) [ البخاري 4627 و4697 و4777 ] .
فإن ثبت هذا فهو ما ذكر ، ويرجع ذلك إلى معرفة حقيقة ما ذكر .
وإلا فجائز أن يقال : إنه يعلم بعض هذه الأشياء بأعلام : من نحو المطر متى يمطر ؟ أو ما في الأرحام أنه ولد ، وأنه ذكر أو أنثى ، وإن لم يعلم ماهية ما في الأرحام نحو ما يعلم المنجّمة بذلك بالحساب بأعلام ، يخرّج ذلك على الصدق مما أخبروا . ربما .
ألا ترى أن إبراهيم ، صلوات الله عليه ، قال : { إني سقيم } [ الصافات : 89 ] لما نظر في النجوم ، أي سأسقم ؟ وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : إني ألقي إلي أن ذا بطن جارية . وكان كما ذكر .
فلا يحتمل [ أن يكون ]( {[16331]} ) أبو بكر يعلم ذلك لما ألقي إليه ، ورسول الله لا يعلم إلا الساعة ، فإنه لا يطلع عليها أحدا ، إلا أن يقال : /419-ب/ إن رسول الله لم يؤذن له بالتكلم والقول بشيء إلا من جهة الوحي من السماء .
فأما الاشتغال بمثله فلا ، لأن الاشتغال بمثله تضييع لكثير مما امتحن [ به ]( {[16332]} ) وترك لبعض ما يؤمر ، وينهى ، أو لما يخرّج ذلك مخرج التطير والتفاؤل واكتساب الرزق على غير الجهة التي جعلت ، وأبيحت لهم ، فكان المنع لذلك ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة } يحتمل قوله : { علم الساعة } أي وقت الساعة كقوله { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } [ الأعراف : 187 ] وقوله : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } { فيم أنت من ذكراها } { إلى ربك منتهاها } [ النازعات : 42 و43 و44 ] أخبر أنه { لا يجليها لوقتها إلا هو } وذكر لرسول الله أنك { إنما أنت منذر من يخشاها } [ النازعات : 45 ] .
[ ويحتمل ]( {[16333]} ) أن يكون قوله : { إن الله عنده علم الساعة } أي عنده علم بماهية الساعة وأهوالها ولم يذكر ماهيتها وحدها وقدرها ، فأخبر أنه يعلم هو ذلك .
وقوله تعالى : { وينزّل الغيث } سمى المطر غيثا ، فيشبه أن يكون سماه غيثا لما به يكون للناس غياث في ما به قوام أنفسهم ودنياهم ، وسماه في موضع رحمة( {[16334]} ) وفي موضع مباركا( {[16335]} ) .
فتسميته رحمة لما به نجاة أنفسهم وأبدانهم . وذلك صورة الرحمة ، وسماه مباركا لما به ينمو ، ويزداد كل شيء ، إذ البركة هي اسم كل خير ، ينمو ، ويزداد بلا اكتساب .
وقوله تعالى : { ويعلم ما في الأرحام } من انتقال النطفة إلى العلقة وانتقال العلقة إلى المضغة [ وتحول ما في الرحم ]( {[16336]} ) من حال إلى حال أخرى وقدر زيادة ما فيه في كل وقت وفي كل ساعة ونحو ذلك لا يعلمه إلا الله .
وأما العلم بأن فيه ولدا ، وأنه ذكر أو أنثى فجائز أن يعلم ذلك غيره أيضا .
وقوله تعالى : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت } جائز أن يكون كتم ذلك ، وأخفاه ، ليكونوا في كل حال على حذر وخوف وعلى يقظة ، إذ لو كان أطلعهم على ذلك لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت ، فيعلمون( {[16337]} ) بكل ما يريدون ، ويشاؤون . فيكون في ذلك ارتفاع المحنة ، فليس ذلك عليهم ليكونوا أبدا في كل وقت وكل حال على حذر وخوف ويقظة ، والله أعلم .
[ وقوله تعالى ]( {[16338]} ) : { إن الله عليم خبير } ذكر أن رجلا من أهل البادية ، يقال له : الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب ، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أرضنا أجدبت ، فمتى الغيث ؟ وتركت امرأتي حبلى ، فماذا تلد ؟ وقد علمت أين ولدت ، ففي أي [ أرض ]( {[16339]} ) أموت ؟ وقد علمت ما عملت اليوم ، فماذا أعمل غدا ؟ ومتى الساعة ؟ فأنزل الله تبارك ، وتعالى ، في مسألة المحاربيّ { إن الله عنده علم الساعة } لا يعلمها غيره { وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام } من ذكر أو أنثى { وما تدري نفس } برّة أو فاجرة { ماذا تكسب غدا } من خير وشر { وما تدري نفس بأي أرض تموت } في سهل أو جبل أو بر أو بحر ؟ { إن الله عليم خبير } بهذا الذي ذكر كله . فقال النبي : أين السائل عن الساعة ؟ فقال المحاربي : ههنا . فقرأ النبي ، صلوات الله عليه ، هذه الآية [ السيوطي في الدر المنثور 6/530 ] .
قال أبو عوسجة : قوله { كالظلل } [ لقمان : 32 ] أي ما استظللت به ، والظلة السحابة .
وقال القتبي { كالظلل } جمع ظلة ، يريد أن بعضه فوق بعض ، فله سواد من كثرته ، والبحر ذو ظلال لأمواجه . والختّار الغدّار ، والختر أقبح الغدر وأشده .
وقال أبو عوسجة : الختّار الكذاب الغدار ، يقال : ختر يختر خترا فهو خاتر .
وقوله تعالى : { واخشوا يوما لا يجزى } [ لقمان : 33 ] أي لا تغني . نقول : جزى يجزي جزاءا ، فهو جاز ، أي أغنى ، وأجزى يجزي مثله ، وأجزاني عن كذا وكذا ، أي كفاني . وكذلك قال القتبي ، وقال { الغَرور } بنصب الغين الشيطان ، والغُرور بضم الغين الباطل ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.