الآية 51 وقوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم } كان هذا إنما ذَكر ، وأخبر عن نازلة أو سؤال كان عن كيفية الرسالة ؟ وهل الرسل عليهم السلام يرون ربهم ، ويشاهدونه ، ويشافهونه ؟ فأخبر أنه ليس من البشر من يكلّمه إلا بالطرق الثلاثة التي ذكرها ، والسؤال وقع عن الرؤية في الدنيا . فيكون الجواب بناء على السؤال ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { إلا وحيا } قال بعضهم { إلا وحيا } ما يُرى في المنام . ورؤيا الأنبياء عليهم السلام حقيقة .
وقوله تعالى : { أو من وراء حجاب } نحو ما كلّم موسى عليه السلام ألقى في مسامعه صوتا مخلوقا على ما شاء ، وكيف [ شاء ]{[18813]} من غير كان ثم ثالث .
وقوله تعالى : { أو يُرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } أي يرسل مَلَكا ، يخبره عن الله تعالى .
وطرق الوصول إلى معرفة ذلك في الدنيا الوجوه التي ذكرنا : إما الإلهام وإما الإلقاء في المسامع وإما رسول يرسل ، فيُخبر عن أمره وكلامه .
فأما أن يحتمل وُسع أحد رؤيته أو [ مشافهته أو معاينته ]{[18814]} في الدنيا فلا ، والله الموفّق .
ثم اختُلف في قوله : { أو من وراء حجاب } قال بعضهم : الحُجُب نفسها هي حقيقة الحُجُب . وقال بعضهم : الحجاب هو عجزهم عن احتمال رؤيته لأن الله أنشأهم على بنية وخِلقة ، لا تقوم أنفسهم القيام لذلك على ما أخبر عز وجل حين{[18815]} قال لموسى عليه السلام : { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } [ الأعراف : 143 ] [ أي ]{[18816]} فإن احتملت{[18817]} ذلك فاحتمل ما سألت ، والله أعلم .
وفي الآية [ دلالة ]{[18818]} أن الله تعالى يكون مكلّما للبشر بالرسول ، وإن لم يشافهه المرسل ، وكان ذلك تسمية بطريق المجاز ، إذ لم يكن في الحقيقة كلام الرسول كلام المرسِل ، وكذلك في قوله : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجِره حتى يسمع كلام الله } [ التوبة : 6 ] لا يكون ما يُسمع من الرسول عليه السلام كلام الله حقيقة وكذا ما يقال : سمعت{[18819]} من فلانة قول فلان أو حديث فلان ، كله على المجاز ، ليس على التحقيق ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون سبب نزول قوله : { وما كان لبشر أن يُكلّمه الله إلا وحيا } الآية قول أولئك الكفرة حين{[18820]} أخبر الله تعالى [ عنهم ]{[18821]} بقوله : { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلّمنا الله أو تأتينا آية } [ البقرة : 118 ] وقوله لولا أُنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } [ الفرقان : 21 ] سألوا أن يروا ربهم جهارا ، فقد حُجبوا عن رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة حين{[18822]} قال : { كلاّ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [ المطففين : 15 ] . وسألوا أن يخبرهم شِفاها ، فأخبر أنه لا يكلّم أحدا شفاها ، ولكن يُكلّم بما ذكر من الأوجه الثلاثة حين{[18823]} قال : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا } ردًّا عليهم . فأخبر الله تعالى أن طريق تكليمه الخلق في الدنيا هذه الوجوه التي ذكرنا ، وقد كلّم البشر من هذه [ السُّبُل والطرق ]{[18824]} التي ذكر حين{[18825]} قال : { اتّبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم } [ الأعراف : 3 ] أخبر أنه أنزل إليهم ما ذكر كما أنزل على الرسول ، وحين{[18826]} قال : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجِره حتى يسمع كلام الله } الآية [ التوبة : 6 ] وغير ذلك من الآيات مما يكون كأنه قد كلّمهم بما ذكر كما كلّم الرسل من الوجوه التي ذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.