الآية 27 وقوله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } قال أهل التأويل : قوله : { لقد صدق الله رسوله } أي حقّق الله { رسوله الرؤيا } التي [ أراه إياها ]{[19593]} { بالحق } أي بالوفاء لذلك .
ويحتمل : أي صيّر النبي صلى الله عليه وسلم صادقا عندهم في ما أخبرهم أنه رأى ، وجعله صادقا في ذلك . والأول أشبه .
وقوله تعالى : { لتدخلُنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } هذا يخرّج على وجهين :
أحدهما : على الأمر أن ادخلوا المسجد الحرام ، وإن كان في الظاهر خبرا كرؤيا إبراهيم عليه السلام حين{[19594]} قال : { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تُؤمر ستجدني إن شاء } ثم قال تعالى ، جل ، وعلا : { يا أبت افعل ما تُؤمر } [ الصافات : 102 ] . دل على أن ما رأى إبراهيم ، صلوات الله عليه ، من الذبح ، هو أُمر بذلك . فإن كان التأويل هذا فتُخرّج الثُّنْيا المذكورة فيه على إثره كأنه يقول ، ادخلوا المسجد الحرام محلّقين ومقصّرين ، إن شاء الله تأمنوا في دخولكم ، وإذا لم تأمنوا لم يشأ أن تدخلوه ، والله أعلم .
والثاني{[19595]} : أن يكون قوله : { لتدخلنّ المسجد الحرام } على الوعد ، فتُخرّج الثُّنيا المذكورة على وجهين :
أحدهما : على التبرُّك والتيمُّن كما يُتبرّك بذكر اسمه في فعل يُفعَل ، والله أعلم .
والثاني : على الأمر لكل في نفسه إذا أخبر غيره أنه يدخل أن يقول { إن شاء الله } كما يؤمر بالثّنيا من أخبر آخر شيئا أنه يفعله لقوله تعالى عز وجل : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } { إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 و24 ] .
ويحتمل أن تُذكر الثُّنيا لأن الوعد في الظاهر ، وإن كان للجملة كقوله : { لتدخلُنّ } فجائز أن يكون المراد منه بعضا{[19596]} منهم ليس الجملة الاحتمال أن يموت بعض منهم ألا يكون هو مرادا بالجملة ، فذكر الثّنيا لئلا يكون خُلْفٌ في الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ما ذكر من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه حققها يحتمل ما ذكر من دخول المسجد الحرام على إثره .
فإن كان ذلك فيكون قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام } هو تفسير لتلك الرؤيا ، وجائز أن تكون الرؤيا في غير ذلك .
وقوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام } ابتداء وعدٍ وأمر من الله تعالى ، وكذلك ما ذكر من قوله حين{[19597]} قال : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [ الإسراء : 60 ] يحتمل ما ذكر في هذه الآية : { لتدخلن المسجد الحرام } إلى آخر ما ذكر ، ويحتمل غير هذا أيضا ، وقد أخبر أنه حققها ، وصدّقها ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { محلّقين رؤوسكم ومقصِّرين } يخبر أنهم يدخلون المسجد الحرام محلّقين ومقصّرين . ثم يخرّج على وجهين :
أحدهما : في ابتداء الإحرام يخرّج على التزيّن على ما يتزيّن المُحرم في ابتداء إحرامه من نحو التطيّب واللباس والحلق والتقصير ونحو ذلك .
[ والثاني ]{[19598]} : أنهم يدخلون على التزيّن في المسجد الحرام آمنين من الكفار . فإن كان على ذلك فهو على الثياب والطّيب وغير ذلك .
وذُكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتمرا ، فسُمّيت تلك [ العمرة ]{[19599]} عمرة القضاء عما{[19600]} مُنع في عام الحديبية ، وكان معتمرا .
وإن كان حاجا فيكون قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام } بعد رجوعهم من منىً إلى طواف الزيارة في ذلك الوقت ، ويكونون محلِّقين مقصّرين ، والله أعلم .
فإن قيل : ما الحكمة في أمره رسوله صلى الله عليه وسلم بالخروج للحج عام الحديبية على علم منه أنه لا يصل إلى مكة ، وأنه يحال بينه وبين دخول مكة وقضاء النُّسك ، إذ لا يُحمَل على ذلك إلا بأمر من الله تعالى ، ليس هو كغيره من الناس : إنهم يفعلون أفعالا بلا أمر ، ثم يُمنعون ، أو يُنهون عن ذلك .
فأما رسول الله صلى لله عليه وسلم /520-أ/ فلا يفعل شيئا إلا عن أمر منه له بذلك ؟
قيل : يحتمل أن ما أمره بذلك مع علمه بأنهم يُمنعون ذلك تعليما منه رسوله وأمته حكم الإحصار أن من حُصِر عن الحج ، ومُنع عن دخول مكة لقضاء النّسُك ماذا يلزمه ؟ وكيف{[19601]} يخرج منه ؟ ولله تعالى أن يعلّم خلقه أحكام شريعته ، أو يخبره بأمر يأمرهم بذلكن أو يخبر بخبرهم ، ومرة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهم بما شاء [ إذ ]{[19602]} له الحكم والأمر في الخلق ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لا تخافون } أي تدخلون مكة آمنين ، لا تخافون عدوّكم ولا منعهم إياكم .
وقوله تعالى : { فعلم ما لم تعلموا } هذا يخرج على وجوه :
أحدها : أي علم ما وعد لكم من فتح خيبر وغنائمه ما لم تعلموا .
[ والثاني ]{[19603]} : أي علم ما أرى رسوله صلى الله عليه وسلم من الرؤيا وتحقيقها ما لم تعلموا .
[ والثالث ]{[19604]} : أي علم في رجوعكم عن الحديبية أشياء لم تعلموها أنتم من إظهار ما أظهر من نفاق أهل النفاق فيهم وأهل الاضطراب من المحقّقين والمصدّقين وغير ذلك ، والله أعلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : { فعلم ما لم تعلموا } يقول : إن ذلك الدخول إلى سنة ، ولم تعلموا أنتم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } قال بعضهم : جعل من قبل أن يدخلوا مكة فتحا قريبا ، أي عاجلا فتح خيبر ، والله أعلم .
وقول أهل التأويل : إنه اشتد على الناس رجوعهم من الحديبية [ وصدُّ المشركون إياهم ]{[19605]} عما صُدّوا بعدما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أنهم يدخلون على [ ما ]{[19606]} وقع عندهم أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق كالوحي .
لكم هذا لا يحتمل من المسلمين ، إنما يحتمل من المنافقين على ذكر أنهم قالوا حين نحر{[19607]} رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أن [ رُؤياه حق ]{[19608]} ، أو كلاما نحوه .
فدلّ هذا [ على أنه ]{[19609]} يحتمل من المنافقين ، فأما من المسلمين فلا يحتمل أن يقع في قلوبهم شيء من ذلك لما لم يكن في الآية بيان ولا توقيت أنهم متى [ يدخلون ]{[19610]} .
ألا ترى أن يوسف عليه السلام رأى رؤيا ، وخرجت تلك بعد أربعين سنة أو أقل أو أكثر ؟
فعلى ذلك لا يُحتمل أن يخفى ، إذا لم يكن في الوعد توقيت ، أنه يجوز أن يتأخر أو يتقدم ، والله أعلم .
ثم في ما ذكرنا من أمر الحديبية وصدّ المشركين إياهم عن دخول مكة والحيلولة بينهم وبين ما قصدوا أنه لا يُحتمل أن يخرج رسول الله صلى اله عليه وسلم لقصد الحج وزيارة البيت مع أصحابه بلا أمر منه بذلك لما ذكرنا .
ثم إن ثبت له الأمر بذلك على علم من الله تعالى أنه لا يصل إلى تحصيل المأمور به وما قصدوا من دخول مكة زائرين وما يكون من المشركين من المنع لهم والصدّ عن ذلك وما أرادوا تحصيل ما أمرهم بذلك ، فهذا دليل على أن الله تعالى قد يأمرهم ، ويريد غير الذي أمر به ، وأنه يريد ما يعلم أنه يكون منهم الذي أمر به ، وهو كما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده ، ثم كانت حقيقة المراد بذبح الولد ذبح الشاة أو الكبش . دلّ أن الأمر بالشيء لا يدل على أنه أراد الذي أمر به ، بل يريد ما علم أنه يكون منهم من خلافه وضدّه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.